{بيت الروبي}.. السينما تشارك في اتهام المجتمع بالتفاهة

ثقافة 2023/08/07
...

  محمود عبود

يعرض بسينمات المحروسة منذ عيد الأضحى وحتى الآن فيلم "بيت الروبي"، قصة وسيناريو وحوار محمد الدباح وريم القماش وإخراج بيتر ميمي.
تبدأ أحداث الفيلم مع الأب الأربعيني إبراهيم الروبي(كريم عبدالعزيز)أستاذ الزراعة، وابنة عمه وزوجته ـ الطبيبة التي لا تمارس المهنة ـ إيمان الروبي(نور)، الابن شريف(الطفل معاذ أحمد)، الابنة شمس(الطفلة لوسيندا)، منزل خشبي بالقرب من الشاطئ تحيطه جبال منطقة نائية، المشاهد الأولى تشير إلى أن الأسرة تعيش حياة منعزلة، لكن سرعان ما تتبدل حياتهم بقدوم إيهاب الروبي(كريم محمود عبدالعزيز) شقيق إبراهيم الأصغر وزوجته الحبلى بهيرة(تارا عماد) صانعة محتوى عبر وسائل التواصل، جاء إيهاب ليعود بشقيقه للقاهرة لإنهاء بعض إجراءات إرثهما.
تقترح"إيمان"على زوجها أن يصطحبهم معه للقاهرة. وفي العاصمة نعرف سبب عزلة الأسرة، وهو الهروب من آثار واقعة اتهام"إيمان"بالتسبب بوفاة سيدة ومولودها خلال عملية ولادة كانت تجريها، ورغم براءتها رسمياً، إلا أن مواطني مجتمع "السوشيال ميديا" ظلوا يلاحقونها وأسرتها حتى اضطروهم للهرب والعزلة..
ومن مفارقات الفيلم أن تكون وسائل التواصل أيضاً سبباً في بقائهم بالقاهرة مرة أخرى، ولما لا؟! وقد صار(إبراهيم) بالصدفة أحد أبرز النجوم المؤثرين في  "السوشيال ميديا"ويتربح منها المال الوفير، وعادت الطبيبة لعملها وكأن الحياة ابتسمت من جديد لبيت الروبي.
ولأن الدنيا لا تدوم على حال فقد انقلب السحر على الساحر، وفجأة ظهرت فيديوهات قضية (إيمان)القديمة وانتشرت كالنار في الهشيم وتبدلت النعمة لنقمة كبرى، وكاد عقد الأسرة أن ينفرط لولا المولود الجديد الذي وضعته زوجة(إيهاب)، ليأتي أصغر أفراد الأسرة ليلم شملها دون هروب مرة أخرى.
اختار صناع الفيلم موضوعاً في غاية الأهمية وهو تأثير وسائل التواصل في الناس، وكان من المميز تقديم القضية الأساسية للعمل في إطار ذي مسحة كوميدية، لكن السيناريو كان نمطياً ومتوقعاً وبلا أي تشويق، واعتمد البناء الدرامي على ما يمكن تسميته بطريقة "نراك بعد الفاصل"، فالأحداث الأساسية تنمو وتتصاعد مع الشقيقين(إبراهيم، وإيهاب) وفي لحظة يقفز بنا السيناريو إلى"بيبو الجعر"(محمد عبدالرحمن) ابن عمهما(الصايع) كفاصل كوميدي مفتعل، بلا قيمة في دراما الفيلم.
تبنى العمل مبدأ يتردد مضمونه كثيراً على لسان المسؤولين بالدولة مفاده "المواطن سبب كل المشكلات"، ولما لا ومخرج العمل ومنتجه هما الأكثر تقرباً من دوائر السيطرة في مصر.
لفق فيلم "بيت الروبي" للمواطنين المصريين تهمة سابقة التجهيز بأنهم تافهون وعديمو القيم الخلقية، يسعون للشهرة وكسب المال دون أي اعتبارات أخلاقية، وعمم الفيلم الظاهرة، وهي حالات فردية، خلقها انسداد الطرق التقليدية في كسب الرزق بسبب السياسات المعمول بها.
وإمعاناً في التلفيق يأتي مشهد ولادة زوجة (إيهاب) في السيارة بالشارع اضطرارياً، مجافياً للمنطق والعقل لنجد أغلب ركاب السيارات المجاورة للسيارة التي تتم فيها عملية الولادة يلتقطون بهواتفهم من ناحية زجاج السيارة الأمامي فيديوهات للسيدة وهي تلد، ودون أن يكون هناك اعتراض أو ممانعة من أي شخص سوى الزوج.
فهل هذا هو المجتمع المصري المتدين المحافظ؟!
كان يجب على صناع الفيلم البحث في الأسباب التي اضطر معها بعض المصريين لوضع تفاصيل حياتهم عبر وسائل التواصل متاحة دون أدنى خصوصية، وهي أسباب كثيرة وعديدة، فغياب العدالة عن الحياة في كل المناحي، واستشراء الفساد، وانعدام الرؤية، هي بعض من الكل الذي ذهب بالمجتمع إلى هذا المقام.
وإذا كان لكل نظام من يجملون صورته ويبررون سياساته، لكن أن يصل الأمر لحد تلفيق والصاق التهم الباطلة بمجتمع كامل، فهذا أمر فاق كل تصور.
لم يقدم مخرج الفيلم أي فنيات تذكر، فقط كان حريصاً على توظيف كل العناصر لإبراز فكرة إعفاء المسؤولين في بر مصر من مسؤولية ما آلت إليه أحوال الناس، فغابت العناصر الفنية التي لا بد أن يكون للمخرج دور في ظهورها عبر الشريط السينمائي مثل توجيه وإدارة الممثل. فبطلا الفيلم "الكريمان" ظهرا تقريباً كما يظهران بمعظم أعمالهما، أو حتى كما يظهران في الإعلانات المدفوعة للترويج لسلعة ما. فعلى مستوى الهيئة والشكل لم نجد فارقاً يذكر بين الشخصيتين الدراميتين بالفيلم (ابراهيم،إيهاب) وبين الممثلين(كريم، كريم)، الملابس نفسها واللحى وقصة الشعر والمشية واللزمات الحركية.
أما على مستوى الحوار وطريقة الأداء فخلال الفيلم نشاهد ونسمع ذات "الإيفهات" التي يلقيانها دوماً في كل المناسبات. لدرجة أن المشاهد قد يظن أنه أمام فيلم تسجيلي يظهر فيه(الكريمان) بشخصيتيهما الحقيقيتين للتعبير عن آرائهما في المجتمع وبعض ظواهره، ولتذهب الدراما للجحيم.
"بيت الروبي" عمل ليس من أعمال الترفيه لأنه لم ينجح في ذلك، ولا هو عمل درامي لفقدانه أهم العناصر الأساسية للدراما، وإنما هو نشرة أو بيان رسمي ملفق يعبر عن وجهة نظر الحكومة في الشعب الذي من المفترض أن تدير شؤونه للأفضل.