في ذكراه الـ 26.. حضور المُعلّم المسرحي حامد خضر

ثقافة 2023/08/08
...

 د. بشار عليوي

حامد خضر، واحد من أبرز رجالات المسرح العراقي المعاصر ممن وهبوا حياتهم بشكل كامل وفاعل ومؤثر للمسرح فعلا وممارسة بوصفه ميدان المعرفة الانسانية الحقة والنبل. هو راهب المسرح العراقي بكل تبدياته وتمظهراته.. حالة فريدة واستثنائية من النقاء والسمو والنبوغ والمعرفة والعلم والمحبة وحب المسرح حد التماهي، هو أستاذي الراحل الكبير (حامد خضر) فقد كنت يا راهب المسرح العراقي مربياً قبل أن تكون الأستاذ، والفنان قبل المدرس، الشريف الذي أعطانا دروساً بليغة في النقاء، النبل، السمو الروحي.

43 عاماً هي عمرك الذي عشتهُ معنا, وأتأمل المدة بكُل تعجب، هل يُعقل أن أثركَ فيَّ وفي جميع مُحبيكَ هو مُخرجات ذات واحدة عاشت هذه السنوات الـ43 فقط؟ ما السر الذي امتلكتَ حيازتهُ أنتَ دون غيرك حتى نشعر بأنكَ حيّ معنا ما بقينا؟ بكُل بساطة لأنك حامد خضر وليس غيرك , حامد خضر الذي أراد لنفسهِ  كُل هذا الحُب والذكر الطيب والترحم ورد الجميل لجميل صنيعهُ معنا وفينا، فضلاً عن تلكَ العَبر والدروس الجديدة والمُتجددة مع الأيام والتي تركتها لنا، وهذه واحدةً من أسراركَ التي أردتَ لها الخلود كما هي روحكَ خالدةً فينا ومعنا وهُنا نعي تماماً سر “حامد خضر” الذي ارتقى أعلى مراتب الزُهد والمعرفة والإنسانيّة والنُبل والعِفةَ والشرف الوظيفي والمهني والمسرحي في حياتهِ، والذكر الطيب والترحّم وخلود الاسم والأثر في مماتهِ، وهذهِ أخلاق القديسين والزاهدين والعارفين والصالحين، لقد لخّصَ راهب المسرح العراقي “حامد خضر” علاقتهِ المسرح حينما قال (المسرح وطن ينبغي علينا ألا نخونه)، وقال (ليس لدينا غير خشبة المسرح نقول عليها ما يخافه لساننا من البوح به في الشارع وعليها نمرح ونفرح ونبكي، فكل ما نستطيع عمله نعمله على المسرح وقراءتهُ وان المسرح هو قضيتنا ويجب ان تكون نظرتنا اليه على أنّهُ قضية إنسانيّة).

ولد حامد خضر عباس شبع الكلابي في

1/ 7/ 1955 في مدينة المشخاب، وعاش حياة بسيطة جداً كان الفقر مسيطراً على أغلب ثناياها، ثُمَ انتقل هوَ وأسرتهُ وكان لهُ من العُمرِ بضعَ سنين للاستقرار والنشأة في مدينة الحِلّة مركز محافظة بابل بداية ستينيات القرن الماضي لتتخذ الأسرة من حي «الإسكان» وسط الحِلّة، مسكناً لها، والانتقال من «المشخاب» الى مدينة الحِلّة والاستقرار فيها، جاء بسبب نقل خدمات والده للعمل كمدير لقسم من أقسام مديرية الاتصالات والبريد في الحِلّة، أكمل دراسته الابتدائية في (مدرسة الاسكان النموذجيّة في الحِلّة) والمتوسطة في  (متوسطة الجمهورية للبنين) في حي الإسكان، وتخرج منها عام 1972 ليلتحق بمعهد الفنون الجميلة ببغداد طالباً في قسم الفنون المسرحية وتخرج منهُ عام 1977، ليكمل دراستهِ في قسم المسرح بأكاديمية الفنون الجميلة ببغداد ويتخرج منها عام 1981. قدمَ «حامد خضر» العديد من العروض المسرحية تمثيلاً وكتابةً وإخراجاً، هذا إلى جانب إسهامه في العديد من المسرحيات العراقية كممثل لأدوار محفورة في ذاكرة الجماهير مثل دورهِ في مونودراما (المجنون) تأليف وإخراج المُعلم المسرحي الراحل «قاسم محمد» والتي قُدمتْ على خشبة مسرح الرشيد.

بعد غزو النظام العراقي السابق للكويت في عام 1990، فُرِض على العراق حصار دولي اقتصادي شامل بسبب الغزو ونتائج حرب الخليج الثانية عام 1991، وألقى الحصار الخارجي والداخلي بظلالهِ على جميع شرائح المُجتمع العراقي وبقسوة مُفرطة؛ لذا وجد راهب المسرح العراقي (وهوَ الذي جرّب الحرمان في طفولتهِ وشبابهِ) نفسهُ مرةً ثانية وهوَ الأب المسؤول عن اسرتهِ الصغيرة، مضطراً للعمل في أسواق (الشورجة، والكفاح، والجمهورية) ببغداد، مرةً عاملاً في مطبعة أهلية أو حمّالاً في شوارع الشورجة، أو صاحب بسطيّة في الشارع، لقد أثرتْ هذهِ المرحلة العصيبة كثيراً في تكوين «حامد خضر» الشخصي والمعرفي، وانتجتْ خطابهُ وخطّهُ الفكري في المسرح والذي كانَ واضحاً عبر سلسلة العروض المسرحية التي قدمها، فضلاً عن حالة الزُهد والتصوّف بشتى الأساليب والسلوكيات التي عُرِفَ بها مما جعلتهُ زاهداً في الدنيا، مُتعففاً عن المُغريات والمزالق التي مال لها البعض، مُحافظاً على شرفهِ الوظيفي والمهني والتزامهِ الأخلاقي مع طلبتهِ في المعهد، جعلتهُ يُغرد خارج السرب حينها، مما جعل غالبية طلبتهِ يلتفون حوله ومُريدون لهُ، فأصبح حامد خضر بالنسبةِ لهم ولغيرهم أيقونة عفة وشرف وأخلاق والتزام بأقصى درجاتهِ، كما شهدت فترة عمله تدريسياً للمسرح في معهد الفنون الجميلة ببغداد تقديمهُ لأبرز عروضهِ المسرحيّة، وتخرجت على يديهِ أجيال مسرحيّة وفنيّة شكلتْ لاحقاً أسماءً لامعة في سماء الفن العراقي، فضلاً عن علاقتهِ الفريدة الاستثنائية مع طلبتهِ والتي شَكَلتْ علامة بارزة في حياتهم وأثرتْ فيها وأعادتْ تشكيل توجهاتهم على الصُعد كافة، وأصبح تأثير حامد خضر فيهم واضحاً وبشكل ملموس حتى من قبل أسرهم، فضلا عن طريقة تدريسه وتعامله اليومي والتي كانت بمثابة دروس مجانية، وبسبب الظروف الاقتصادية خلال فترة الحصار، فقد اضطرهُ هذا الحال وضغطاً لتكاليف المعيشة، أن يتخذ الغرفة المُطلّة على الشارع الرئيس للمعهد المُقابل لحديقة الزوراء مسكناً لهُ طوال أيام الأسبوع، فقد كان يعود الى أسرتهِ التي تسكن «حي الإسكان» في الحِلّة عصر كل يوم خميس ليمكث عندهم الى صباح السبت عائداً الى بغداد، وخلال رحلة العودة الأسبوعية توفي في حادث سير بعد اصطدام باص بالباص الذي يستقلهُ راهب المسرح العراقي مساء يوم 3/ 8/ 1997.