الحل الواقعي لمشكلة ترسيم الحدود العراقيَّة الكويتيَّة

آراء 2023/08/09
...

عبد الحليم الرهيمي
أستعيد في الأيام الأخيرة الحديث عن مشكلة – أزمة ترسيم الحدود البرية والبحرية بين العراق والجارة الكويت بطريقة وصفها كثيرون بـ (الضجة) الاعلامية التي افتعلتها جهات معينة لدواعٍ سياسية وانتخابية ومصلحية وفئوية أو ذاتية، دون ان يعني ذلك وجود مشكلات وتباين في وجهات نظر العراقيين والأخوة الكويتيين حول عدد من الجوانب الفنية والسياسية، التي هي فعلا بحاجة إلى الحوار الودي بين الجانبين والتفهم الجاد لكل جانب طروحات ومواقف الجانب الآخر.

والامر الذي أصبح معروفاً لدى غالبية العراقيين والكويتيين، أن هذه المشكلة – الأزمة ليست وليدة هذه الايام، انما يمكن تحديد عام 1923 الذي تم فيه الاتفاق بين الحاكمين البريطانيين الموكلين من الحكومة البريطانية بحكم وادارة كل من العراق، الذي كان تحت الانتداب، بينما كانت الكويت تحت الاحتلال – وقد اعيد طرح المشكلة في صيف عام 1932 وقبيل الاعلان عن استقلال العراق وقبوله عضواً في عصبة الامم الدولية بالعام ذاته، عندما وجه رئيس وزراء العراق آنذاك نوري السعيد رسالة مباشرة إلى الحكومة البريطانية، طالب فيها بترسيم جديد للحدود العراقية الكويتية يضمن أحقية العراق بها اكثر مما في عام 1923، لكن هذه الرسالة لم يصادق عليها من الطرفين العراقي والبريطاني، وإن بقيت الحكومة العراقية تتصرف على أساسها حتى جاء عام (1938- 1939) عندما بدأ الملك غازي ابن الملك فيصل يطالب بضم الكويت إلى العراق واستمر يواصل الاعلان عن موقفه هذا حتى وفاته عام 1939 عند اصطدام سيارته بحادث شابه الكثير من التشكيك والشبهة
آنذاك.
وبعد ان طوي الحديث عن عائدية الكويت للعراق وعن تثبيت ترسيم الحدود لنحو اكثر من عقدين فاجأ رئيس وزراء العراق آنذاك الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1961 بحشد قوات عسكرية على حدود الكويت الشمالية مطالباً، بضمها إلى العراق وبعد فشل هذه المحاولة لأسباب عديدة باتت معروفة قامت حكومة حزب البعث بعد انقلابها الدموي على حكم عبد لكريم قام في 8 آذار – 1963 بالتوجه إلى الكويت حيث حصلت على مبلغ قدره ثلاثون مليون دينار كويتي مقابل اعتراف الحكومة العراقية رسمياً بالكويت دولة مستقلة وذات سيادة وحدود معترف بها
دولياً.
وقد بقيت الحال على ما هي عليه بعد الاعتراف باستقلال الكويت وسيادتها، حتى فاجأ صدام العالم بغزوه للكويت واحتلالها في الثاني من شهر آب 1982 والتي لم
ينسحب منها، رغم المناشدات العربية والدولية التي لم يستمع اليها ويأخذ بها الا من خلال شن حرب دولية عربية قادتها الولايات المتحدة الاميركية، وفرضت الهزيمة المرة لنظامه وللجيش العراقي، لكن الثمن الذي دفعه العراق كبلد ذي سيادة والشعب العراقي، كان أكثر مرارة واشد قسوة وبقي يدفع فواتيرها الباهظة حتى
الآن.
وقد عملت الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 على التعامل بسرية مع الطرح المتكرر لترسيم الحدود المشتركة وتثبيت الشواهد على الأرض وتوقيع اتفاقية (خور عبدالله) في 25/ تشرين الثاني / 2013 والتي اعتبرها البعض تنازلاً من حكومة بغداد عن سيادة العراق على هذا الخور، رغم محاولات البعض اثارة المشكلات طمعاً في تحقيق مكاسب مادية أو سياسية، وقيام بعض الجهات الكويتية تقوم بين حين وآخر بأعمال استفزازية كحجز الصيادين العراقيين أو اثارة غيرها من المشاكلة الجانبية، التي لم تؤثر طيلة المدة الماضية على العلاقات بين الشعبين والبلدين العراقي والكويتي.
وازاء هذا التاريخ المعقد والمتعثر لمسار تثبيت ترسيم الحدود الدولية بين العراق والكويت، وبعيداً عن ضجيج المواقف السياسية والاعلامية المتشنجة والمفتعلة، فإن الحل الامثل الواقعي والمناسب لتسوية وحل هذه المشكلة – الازمة نهائياً، أن تبادر الحكومة العراقية إلى تشكيل وفد فني سياسي بالتنسيق مع البرلمان يتمتع بصلاحيات واسعة ومطالبة الشقيقة الكويت تشكيل وفد تفاوضي مماثل لإجراء مفاوضات اخوية جادة وصريحة، ويمكن أن يحضرها ويشارك بها ايضاً مراقبون من الجامعة العربية والامم المتحدة، للتوصل إلى قرارات حازمة ملزمة للجانبين وتضمن حقوق وسيادة العراق على ارضه ومياهه الإقليمية، وبما يستبعد ذلك أي اضرار أو انتقاص من حقوق ومصالح العراق والكويت في الوقت نفسه، وبهذا الجهد الدبلوماسي الرفيع من قيادتي البلدين وبشهادة عربية وأممية يمكن تحقيق الاستقرار والرضا للبلدين والشعبين، وسحب البساط من تحت اقدام مفتعلي الازمات لمصالح فئوية وشخصية على حساب المصالح العليا للبلدين
الشقيقين.