سامي أحمد في «الحياة مهنة تافهة»

ثقافة 2023/08/09
...

 أحمد عساف

في مجموعته الشعريَّة الموسومة بـ «الحياة مهنة تافهة» الصادرة عن دار التكوين في دمشق 2022 - وهي المجموعة الشعرية السادسة. بعد: صلاة المطر، دخان، عميل التعب، خذلتني النجوم، شبه لي، إذا كان العنوان في أي نص إبداعي يشكل عتبة دالة للولوج إلى النص الأدبي. نحن هنا أمام عنوان: (الحياة مهنة تافهة) هذا العنوان يفضي إلى تأويلات كثيرة ماذا يعني أن تكون الحياة مهنة تافهة؟
سؤال يفضي إلى الغوص أكثر في دفتي هذا الكتاب الشعري. في ذات الوقت نجد أنّ هذا العنوان تراجيدي وجارح وساخر ومأساوي..
«ما أتعس حياتنا! عالم يفيض بالمآسي، وكلٌّ منا يفيض بالحقد الصغير، والهموم الصغيرة.. / النساء سلاح الواقفين على خطوط النار والدمع،
لكنّهُنَّ، يُفاجئنَ الصباح بكسرة حبّ، كي تغفو المتاريس «ص 17.
تعد تجربة الشاعر سامي أحمد. من التجارب الشعريّة اللافتة للانتباه والتي تتميز بتلك النكهة الخاصة الصادقة والملازمة لروح نصّه، جماليَّة قصائد سامي أحمد، أنّها تتجه دائما لقارئ يعقد معها شراكة وبكل وعيه: «دائماً أسلك الدروب المنحرفة، كي أفلت من طرقات تدور حول نفسها.. وتُعيدني إلى الجسد الذي فرَّ منّي».  كذلك تتمتع قصيدته بذاك المس الخفي والظاهر، وبالذي يبدو للوهلة الأولى مشهداً يُلامس اليومي من حياتنا كبشر. يقول: «عندما كنا صغاراً، كنا نلعب لعبة الحرب، نطلق النار على بعضنا طوال النهار.. طاخ طيخ .. طاخ.. طاخ سقطنا قتلى على الأرصفة. ركضنا في البراري مقلّدين صوت الطائرات.. ثم أصبحنا حاملات قذائف. وصرنا الآن نكتب الشعر بالكلاشينكوف» ص 16.
قصائد الشاعر في هذا الديوان. تنتمي إلى عالم قصيدة السير الذاتية والتي تتداخل وتتشابك فيها شتى المذاهب والأجناس الأدبيَّة، عبر تلاقحها وانفتاحها على بعضها البعض، فالشعر واحد من هذه الأجناس الإبداعيَّة الذي هو الآخر، ينفتح ليس على فنون القول فحسب، بل على أكثر فنون الإبداع. يقول: «تتساقطُ النجوم في قريتي، من جسدكِ نجمةٌ نجمة، أيتها المتعبة من نعاس الأقدام العارية، كم أحبّكِ؟ لا عليكِ كوني إناء، ولا تمنحيني! كل شيء يبعثرُ غيابكِ.. أقراط من الورد سراب» ص 70.
تقسم مجموعة سامي أحمد الشعريَّة إلى عدة عناوين فرعيَّة منها (في ذمّة النشر، أرملة الجسد، غيابك سرّ المعنى، إلى امرأة بعينها). من هذه العنوانات الفرعيَّة يتبدّى شغل الشاعر على قصائده الخاصة، ذات النكهة الخاصة جداً به.
إنّها تفاصيل الروح تمرُّ عبر كاميراه التي تلتقط وبحساسيَّة عالية الدقة صور من الدروب والبشر. والنساء والحياة..  يقول: «علينا أن نأوي إلى بيوتنا باكراً عند الفجر.. ونخرج منها باكراً عند المغيب. علينا في هذه المدينة أن نحيا عكس الشمس» ص 33.
قصيدة سامي أحمد. الطازجة من حيث روحها الأولى ومن حيث اشتغالها على لغة صافية مستمدّة من قاموسه الشعري الخاص به، قصيدة تخلص لكلِّ شيء من الذات إلى الحياة إلى المرأة كدال وطرف قوي في معادلة الحياة. يقول: «أتراني أكتبُ إليكِ رسائل عشقي، ووجعي كتاريخ، يكتبُ في تنّور؟! أمْ كليلٍ يقرأ فقه النجوم؟!.. أحترقُ تصيرُ جثتّي رماداً على بابكِ.. بلا دمعٍ، الله آخر الدمعِ، والكأسُ يلحظً سقوطي أمام أخطائي.. صورتي معناكِ، وجسدكِ معناي» ص 66.
 سنجد في ديوانه الشعري هذا (الحياة مهنة تافهة) قصائد طويلة مكثفة مثل قصيدة (أرملة الجسد) ص 49. استخدم فيها
نمارسُ الحياة في هذه المدينة، كمن يمارس الجنس مع امرأة، لا يعرف اسمها.. الحياة أيضاً عادة سيّئة» ص27.
كذلك تميز الشاعر في أنّه تألق في أن يوظف لغة شعريَّة مبتكرة، لغة سلسة وأخّاذة لغة خاصة، لامست مشاعرنا بكثير من صدق الأحاسيس قاموسه الشعري.. لغة قريبة من السهل الممتنع وتجلت عبر احتفاء الشاعر بالمفردة الشعريّة التي تمتاز بالطاقات الجماليَّة والتعبيريَّة، كذلك تمتاز قصيدته بروعة الانزياحات،  اللغويَّة والمقصود بذلك أن تجاور الكلمات يخلق صوراً مبتكرة، ويجعل التبادل بين الحواس في التعامل مع الواقع تبادلاً ذا جماليَّة أخّاذة. يقول: في زمن الخوف سأفتحُ عينيّ فقط.. دهشة من الأصوات/ سأبيعُ
أشيائي القديمة لعواءِ كلبٍ خائف منّي../ أنام وفي عينيّ حدائق الخريف.. أوراقاً لدموعي/ في هذا المستحيل أرى أحلامي.. تعوي كلاباً» ص97.
قصيدة سامي أحمد الطازجة من حيث روحها الأولى ومن حيث اشتغالها على لغة صافية، وضمن هذه اللغة المشكلة بتعب واجتهاد لا يخلوان من معرفة بها، قصيدة تخلص لكل شيء.. من اللون القاني لدخان المتفجرات في زمن الحرب، مرورا بالدماء الحمراء الممزوجة بأنين الأرصفة وحزنها الطافح بالسواد. يقول: «يخترق هذه المدينة نهرٌ نصفه دمٌ.. ونصفه سائل لتمويه الدم../  الكلمات في هذه المدينة، ليست أبجديّة، إنّها نوع آخر من الحيوانات الداجنة» ص 29.
 كذلك تخلص قصيدة سامي أحمد لـ الذات المنبثقة من ذوات الآخرين، وانتهاء بالمرأة كدال وطرف قوي في معادلة الحياة، طرف مرجّح ومغرٍ، ومع أنَّ المرأة علامة فارقة وواضحة في قصائد الشاعر بشكل عام. إلّا أنّها في (الحياة مهنة تافهة) تأخذ منحى آخر وأبعاداً أكثر رمزيَّة لمداليل عديدة. يقول إذا لم يكن هناك امرأة تنتظركَ كأنّك الرجل الوحيد في العالم، فلا تغادر سريرك أبداً. سأشدُّ رأسي على الوسادة./ امرأةٌ كلما قبّلتها صرت طفلاً.. كلّما قبّلتني صارت عجوزاً. ص 104.