حينَ يأكلُ الفقرُ عقولَنا

آراء 2023/08/10
...

 ميادة سفر

إشكالية العلاقة بين الفقر والتعليم تتجاوز الزمان والمكان، إذ تربط بينهما علاقة ذات طبيعة خاصة وذاتية، يتغذى أحدهما على الآخر، فكلما انتشر الفقر ضعف التعليم وانخفضت معدلاته، وحين يضعف مستوى التعليم في بلد مما تزداد معدلات الفقر، فالتعليم الجيد هو السبيل الوحيد والمشروع وربما الأكثر جدوى للخروج من الفقر وتحقيق الأمان الاجتماعي والاقتصادي للأفراد، وتطور المجتمعات بصورة مستدامة.

يقاس معدل انتشار الفقر في دولة ما من خلال التعليم الذي يعتبر واحداً من المؤشرات المعتمدة في هذا المجال، فمتابعة الأطفال للتعليم وزيادة أعدادهم يزيد فرص تحسين ظروف العيش بجميع أشكالها العلمية والمعرفية والصحية والمادية، فضلاً عن تحقيق تكافؤ للفرص بين مختلف أفراد المجتمع، إلا أنّ البيانات الصادرة عن منظمة اليونسكو في السنوات الأخير تشير إلى أنّ ما يزيد على 240 مليون طفل وشاب غير ملتحقين بالمدارس حول العالم، مما يفاقم المشكلة ويزيد من تعقيدها، في المنطقة العربية وحدها يوجد حوالي 16.2 مليون طفل خارج المدرسة، بينما يتجاوز عدد الأميين ستة ملايين شخص.

في المجتمعات الفقيرة والنامية غالباً لا يذهب الأطفال إلى المدارس لأسباب تتعلق أو تنتج عن الفقر، إذ يتركون التعليم ليلتحقوا بسوق العمل، لمساعدة أسرهم على تأمين مستلزمات الحياة الأساسية، وهو خيار تضطر عائلات كثيرة تعيش في الفقر للخضوع له، بالنظر إلى تكاليف التعليم من رسوم ومصاريف ومستلزمات مدرسية من لباس وكتب وأدوات وغيرها من أمور تزيد ضغوطاً على الأهل الذين يعيشون أساساً أوضاعاً اقتصادية مزرية، مما يضطر الكثيرين لدفع أولادهم لتعلم «صنعة» أو مهنة ما تقيهم العوز في المستقبل، مع انتشار أفكار تقلل من أهمية التعليم والتحصيل العلمي وأنه لا يقيت انساناً ولا يقي من جوع، لا سيما في مجتمعاتنا العربية التي ازدادت فيها معدلات التعليم وقلت فرص العمل، بسبب السياسات الفاشلة لبعض الحكومات، مما دفع الكثيرين للعمل في أعمال لا تمت لاختصاصهم بصلة، فكانت أحوالهم دافعاً للبعض ومشجعاً لاختصار الطريق نحو مستقبل بات معروفاً في بلاد تنهشها الحروب والأزمات منذ عقود.

لو أدركت الحكومات حول العالم وفي بلادنا العربية على وجه الخصوص أهمية التعليم، ذلك الذي يرتقي بالعقول والمجتمعات، لخصصت له أكبر ميزانية ووفرت للخريجين أفضل فرص العمل، بدل أن تقذف بهم إلى الخارج أو تحول الأطفال إلى يد عاملة، تقدر اليونيسف أنّ واحد إلى عشرة أطفال حول العالم هم ضحايا عمالة الأطفال، فالحل هو القضاء على الفقر وتأمين حياة لائقة بالإنسان، ألا نخجل من أنفسنا ونحن نرى عشرات الأطفال في ورش صناعية وأمثالهم في الشوارع يتسولون؟!.. ألا يشكل هذا انتهاكاً لحقوق الإنسان التي كفلتها المواثيق الدولية وتضمنتها كل دساتير الدول؟ لا سبيل إلا التحرك للقضاء أو الحد من الفقر والجوع مع ما يولدانه من عنف وجرائم، لعلنا نصل يوماً للحفاظ على عقولنا قبل أنّ يأكلها العوز.