حبيب السامر
كلما حاصره الضجر، وداهمه القلق المستديم، ولكي يتخلص من دوامة الملل التي تتسرب إليه، يلجأ إلى فكرة ترسخت في ذهنه، أن يجلس في ركن هادئ، بعيداَ عن الضجة وتماثل الأيام، ويسحب منديلا ورقيا طبعت عليه ماركة الكوفي شوب، يكتب على الجهة الأخرى بعض أفكار ملخصة وأحيانا يستمر في الكتابة على هذه الأوراق المنشاة والمغرية.
في أحايين كثيرة، ينظر إلى الحديقة المقابلة، يتأمل الوجوه المبتسمة وهي تتناول العصائر الباردة، وهناك من يترشف القهوة بأنواعها، حين يقف النادل ويسأله عن طلبه، يتردد كثيرا وكأنه في قاعة امتحان، يعصر كفيه ويتأمل في الدفتر الأنيق الملون (المينيو) ويكرر طلبه اليومي، اعتاد عليه أصحاب الكوفيهات وهم يعرفون سر تردده في طلبه، لكنهم وبحكم عملهم لابد أن يتوقعوا منه طلبا آخر، يسحب ورقة من علبة المناديل المستطيلة، ينظر في الورقة طويلا، يكتفي بكتابة تأريخ اليوم وبعض همهمات يترجمها إلى قلق، قلق، قلق، فيما ترن في ذاكرته مقولة إدواردو غاليانو" أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر، أنا
أطلب أن تجعلني أتبلل، فكر بالأمر، أيُّها الكاتب!" لذا يحاول أن يكتب خارج مديات المألوف والسائد، بل ويفكر أن يتفرد بكتاباته.
يحتفظ بكل أوراق المناديل التي كتب عليها، ويعود أحيانا إلى تصفحها، يرتبها بحسب التواريخ، نَمت الأوراق وصارت كثيرة في خزانة مكتبته الصغيرة، يحرص على أن تكون بمأمن من عيون الآخرين، لكنه وبحكم قلقه المستديم ينشر بعضها كما هي في صفحات التواصل الاجتماعي، يعززها بلقطة من كاميرة موبايله، ويدفعه قلقه أيضا حين لا ترد صديقته البعيدة المنتظرة إلى رفع وحذف (البوست) الذي يقصدها، هذه الحالة تأخذ من وقته الكثير، وهو يقلب الأوراق الخفيفة التي ما أن تلامسها قطرة ماء حتى تذوب بين أصابعه، يقلبها بعناية كبيرة، حيناً وتطل صديقته بتعليق تخضر له شجرة روحه اليابسة، يتأمله مليا، يتردد في الرد كثيرا كي لا تسرقه عيون المتربصين في الفيسبوك، وحدث أن كتب لها صديق مقرب منه جدا، وهو يحاول أن يستدرجها في الكلام، أخذت نسخة من المحادثة وأرسلتها له، وهو يستعرض عضلات نشاطه وإبداعه الزائف، ذكية وحاذقة تلك المرأة البعيدة، يلجأ إلى الرد عليها في الماسنجر بعد أن يتبادلا التحية ويتحدثا عن الحياة ومشاريعها المستقبلية، يعرب عن سعادته بثقتها وهي تعجب بكتابته دائما، وتشد على يديه في نشر المزيد من كتاباته بخط يده، التي تشترك فيها حواس كثيرة، وتجذب القارئ لفرادتها، وتستغرب أن هذه الطريقة – بخط اليد – بدأ يقلدها الكثيرون، لكن قصب السبق لك، وهي تود أن ترفع من معنوياته كما تعتقد، هكذا يدور حديثهما، فيما اقترحت عليه وبعض أصدقائه في إصدار كتابه الجديد بخط يده. المفاجأة الأكبر حين وصل على عنوان سكنها ( كتاب المناديل) بنسخته الورقية وخط الرقعة الجميل.