قطار نيوكاسل يبشّر بمستقبلٍ جديدٍ للطاقة

علوم وتكنلوجيا 2023/08/12
...

 غريس بارنيغ

 ترجمة: فجر محمد


حاول الفيزيائي الشهير "نيكولا تيسلا" الحصول على الكهرباء من الهواء الرطب، وذلك من خلال استغلال المراحل التي تمرُّ عبر السحب العاصفة لتحقيق هذا الغرض، وبعد عقودٍ من وفاته على ما يبدو يمكن أنْ تؤتي الفكرة ثمارها في النهاية.

لم يصدق زملاؤه في المختبر ما شاهده زميلهم. فقد أعدَّ جهازاً تجريبياً لاستشعار الرطوبة بواسطة إشارات كهربائيَّة. قد لا يبدو هذا الأمر ممكناً. هكذا يصف جون ياو من جامعة ماساتشوستس الأميركية ما حدث، ويتابع: "لسبب ما نسيَ الطالب الذي كان يعمل على الجهاز توصيله بمصدرٍ كهربائي، وهكذا كانت البداية".

مرت سنوات سعى خلالها هذا الباحث مع زملائه بحثاً عن تقنية جديدة للحصول على الطاقة الكهربائيَّة من بخار الماء الطبيعي، وهو مفهومٌ يعرف بالطاقة الكهرومائيَّة. لقد كانت هذه الفكرة تجري في المختبرات، لكنَّ الباحثين لم يحققوا نتائج تدعو للتفاؤل آنذاك، كما قامت عدة مجموعات بحثيَّة حول العالم باكتشاف طرقٍ جديدة لإنتاج الطاقة من جزيئات الماء الطافية بشكلٍ طبيعي في الهواء. إذ من الممكن أنْ يحصل ذلك لأنَّ الجزيئات قادرة على نقل شحنات كهربائيَّة صغيرة في ما بينها، وهي عملية يحاول الباحثون استثمارها للحصول على الطاقة. تبرز المشكلة الأكبر في إمكانيَّة إنتاج الكمية التجارية الكافية من الكهرباء لكي يتمكن المعنيون من طرحها في السوق. ويرى الباحثون أنَّ إمكانات الإنتاج الحالية صغيرة لكنها تلبي حاجة الأجهزة الحاسوبيَّة المصغرة.

توليد الطاقة

قبل سنوات قليلة نشر الباحثون ورقة علميَّة عن قدرة أسلاك التغذية الدقيقة التي تنتجها البكتريا على التقاط الطاقة من الهواء، إذ يمكن لمسامات المواد المتناهية في الصغر حجز جزيئات المادة العائمة، ولدى تماسها مع المادة، تكتسب جزيئات الماء أيضاً شحنة كهربائيَّة، ومع مرور الوقت ترى أنَّ الشحنات قد تمَّ فصلها، وهذا ما يحدث مع السحابة الواحدة". ولكنْ على نطاق أكبر وأكثر تسارعاً، إذ تنتج السحب أيضاً تراكماً لشحنات كهربائيَّة متعارضة تتدفق في النهاية على شكل برق، وعندها يتمُّ الوصول الى الظروف المناسبة لفصل الشحنات، ومن ثم توليد الكهرباء، وبحسب الباحثين من الممكن نصب أجهزة أرضيَّة لتحويل تلك الطاقة.

وبعد ظهور مخرجات ورقة البحث العلميَّة سنة 2020 كبداية لاكتشافات أخرى، نشر الباحثون دراسة مكملة لسابقتها مؤخراً، تتضمن إنشاء هيكليَّة مليئة بأقطاب تسلم الإشارات، تساعدها مجموعة من مختلف المواد المكونة من رقائق أوكسيد الغرافين والبوليمرات وألياف مشتقة من الخشب. وقد اشتغلت هذه المواد مع بعضها البعض بالرغم من وجود بعض الفروقات في ما بينها. ما يهم فعلاً هي الدعامات الهيكليَّة للمحطة وليس المكونات الماديَّة لها.

ويقترح الباحثون إنتاج المواد المكونة للمحطة، وربط أجزائها مع بعضها الآخر وبالتالي الحصول على شحنات مفيدة تزداد معها مستويات الفولتية. ويمكن استغلال عملية رش السوائل على الأسطح لتكون مصدراً لتوفير الطاقة الفوريَّة.


ظاهرة قديمة

وتعتقد الباحثة البريطانيَّة سفيتلانا ليوبشيك، من جامعة لوسوفونا البرتغالية، أنَّ مثل هذه التكنولوجيا، غير قادرة على تشغيل مبانٍ بأكملها، أو تشغيل آلات تحتاج للطاقة كثيراً، قد تكون الرطوبة كافية لتشغيل أجهزة انترنت الأشياء، أو أجهزة الاستشعار أو الأجهزة الالكترونيَّة الصغيرة المحمولة. 

وتستمد فكرة تحويل الطاقة البخاريَّة إلى كهربائيَّة بدايتها من عمل القطار البخاري في النصف الأول من القرن التاسع عشر في منطقة نيوكاسل، الواقعة شمال شرق إنكلترا، حيث كانت مراجل القطار البخارية ترسل شحنات كهربائية أثناء تشغيل المحرك. وقد خلص العلماء الذين حققوا في تلك الحادثة، الى أنَّ الاحتكاك بالبخار الموجود في غلاية المحرك تتسبب في تراكم شحنة كهربائيَّة متواصلة.

وتعتقد ليوبشيك أنَّ النموذج الأولي الهندسي سيكون جاهزًا بحلول نهاية هذا العام، إلى حدٍ ما"، بينما يعرض ابنها أندري ليوبشيك، وهو أيضاً أحد مؤسسي الشركة، مقطع فيديو لمصباح (لد) صغير. يحمل اندري بيده قرصاً رمادياً حجمه 4 سنتمترات، مصنوعاً من اوكسيد الزركونيوم، موضحاً أنَّ هذه المادة بمقدورها التقاط جزيئات الماء من الهواء الرطب وإجبارها على التدفق في قنوات صغيرة.

ومع ذلك، في الوقت الذي أتيحت فيه بعض المعلومات في الانترنت عن هذا العمل، إلا أنَّ التفاصيل الكاملة المتعلقة بتجارب الفريق الأخيرة لم يتم نشرها أو مراجعتها من قبل بعض الزملاء.

ومن وجهة نظر سارة جوردان، مهندسة مدنيَّة في جامعة ماكجيل في كندا أنَّ أي شخصٍ يسعى لتسويق هذه التكنولوجيا يحتاج إلى دليلٍ لإثبات إمكانيَّة إنتاجها لطاقة كافية وقدرة تنافسيَّة من حيث التكلفة بالمقارنةً مع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى.

صحيفة ديلي تلغراف البريطانية