كريم ناصر.. رسّام الغراف الفطري

ثقافة 2023/08/13
...

 باسم عبد الحميد حمودي

تتناول التقارير الصحفية السريعة تجربة التشكيلي الفطري كريم ناصر الغريباوي، بوصفها (طرفة)  أو (صرعة) من الصرعات الصحفية، من دون أن يمعن معظمها في دخائل نفس هذا الفنان الفطري.. صاحب "الدشداشة والغترة والعقال".
يقول كريم إنه لا يتمكن من الرسم إلا وسط البستان المجاور لمنزله في مدينة الحي مقابل نهر الغراف.. أنه هناك يتحشد فكرياً، وتتحفز مخيلته وتتحرك ريشته بـ (رهاوة)، فنان معتق لا يترك للصدفة سبيلا، وهو يوثق (لحظة) التجربة الحية الناجمة من الطبيعة المحيطة به.
 النخل، وعذوق الرطب، وخرير السواقي، ومسحاة الفلاح، وأسراب البط التي (تنحر) البستان، وتخيف الأطفال الصغار، والعصافير بصيحاتها وهي تسري إلى شاطئ الغراف جزءا من تشكيلات لوحات كريم ناصر.
 ولد الفنان كريم ناصر الغريباوي في حي (سعيد) في قضاء الحي ودرس لسنوات في مدرسة التهيب الأبتدائية، لكنه ترك الدراسة مبكرا من دون أن يستكمل تعليمه لظروفه الاقتصادية الصعبة التي دفعته للعمل كفلاح.. لكن الرسم أخذه من القلم والورقة ومسحاة الفلاح، إلى اللون والريشة واستلهام الواقع الطبيعي، وتجسيده  على شكل لوحات  يبيعها لمن يهوى  ويكسب رزقه منها. استغل كريم ناصر موهبته الفطرية التي لم يتعلمها في مدرسة، أو معهد لتقديم لوحات البورتريه لمن يرغب في توثيق ذاته من أبناء (الحي) وما جاورها.
كان كريم ناصر يزور بغداد أيضا،  وقد التقى مرارا الرائد فائق حسن وعمل كموديل له، واستمع اليه مرارا واستفاد مما استوعب من ملاحظاته، لكنه وجد في ذاته القوة المثلى، لأن يجسد تجاربه في (نقل) الطبيعة من دون تقنيات التشكيل الحديث.
ظلت الفطرية والموهبة الشخصية سلاحه الذي يجسده بألوانه الحارة، وخلطات الجسد التشكيلي الممعن في استجلاء روح الطبيعة والحياة الإنسانية عبر الكثير من لوحاته.
لا يبدأ كريم ناصر العمل في أية لوحة، إلا بين النخيل، جالسا على الأرض، مسندا اللوحة موضع العمل الى جذع نخلة، ومرتديا الغترة والعقال اللذين لا يستطيع الرسم بدونهما.
ألا يرتدي التشكيلي الحديث صداره ويقف أمام مسند لوحته وبيده جامعة الألوان الخشبية؟ كريم ناصر مسنده النخلة وجامع اللون جواره على الأرض، والموديل موضع الرسم يتجسد امامه ومن الطبيعة.. بيوت السلف وحركة الحسناوات وسط البستان وتصرفات الفلاحين في حقولهم.. فاذا انتقل إلى تجسيد بورتريه في مكان آخر تغيرت بعض ملامح العمل، حيث تستند اللوحة إلى كرسي مثلا، لكن كريم يظل جالسا على الأرض ليرسم ويجسد.. هو ابن الأرض التي يعشقها ويحسد كل ما استطاع تحسيده من بشرها ونعمها من زرع وحيوان وبناء.. هو عاشق للون وللطبيعة معا، وبهما صنع آلاف اللوحات الجميلة، التي جسدت حرفية أعماله وجماليات التجربة الفطرية فيها.