ابراهيم العبادي
تزايدت نذر الحرب في منطقة الشرق الاوسط بشكل كبير في الاونة الاخيرة، اسباب عديدة تدعو المراقبين إلى ترجيح وقوع حرب محدودة على غرار حرب لبنان عام 2006، لكن انفجار الحرب قد لا يبقيها محدودة هذه المرة، وبسبب هذه المخاوف تسعى الأطراف الدولية إلى ضبط التصعيد عند حدود مسيطر عليها، مع الاعتراف بغياب الضمانات التي تمنع انفلات الامور إلى حرب موسعة.
صاحب المصلحة الاكبر في شن الحرب، اليمين المتشدد الذي يقود حكومة الصقور في اسرائيل، فعقيدة وفكر هذه الحكومة ميال إلى استثمار الفرصة الراهنة لتوجيه ضربات مدمرة في سوريا ولبنان، وتحديدا بضرب الآلة العسكرية لحزب الله وفرض قواعد اشتباك جديدة، وخلق ممكنات لتوازنات سياسية في المنطقة لايعود فيها (محور المقاومة) عنصرا مهيمنا على المعادلة السياسية في لبنان، ولا مؤثرا كثيرا في السياسة السورية. الدافع لهذه الحرب التي تريدها حكومة نتنياهو، الضرورة الستراتيجية التي تعتمدها لمنع ما تسميه التهديد الوجودي لأمن اسرائيل والمتمثل بانتشار القوى المسلحة (ميليشيات وفصائل ومنظمات)، قريبا من حدودها وبغطاء نووي إيراني!.
نجحت اسرائيل في استثمار الفوضى في سوريا منذ اثني عشر عاما، وقامت بفرض منطق عسكري - سياسي (قديم جديد) يقوم على المبادرة بضرب قواعد ومنشآت وأسلحة تستخدمها قوى مسلحة عديدة على الأراضي السورية، لمنع تنامي الوجود العسكري لإيران وحلفائها (محور المقاومة) تفاديا لاحتمالات مستقبلية خطيرة مرتبطة بالمواجهة مع البرنامج النووي الايراني. الفكر الستراتيجي لليمين الاسرائيلي لايرى غير الضربة الاجهاضية لمنع تقدم هذا البرنامج إلى عتبة صنع السلاح النووي، وهو يعتقد أن كلفة هذه الضربة أقل بكثير في ما لو خرجت الامور عن السيطرة، وتقدم الايرانيون اكثر مما ينبغي، رغم التطمينات الأمريكية بأنَّ واشنطن لن تسمح لإيران بالوصول إلى العتبة النووية، وأنها تراقب وترصد الفواعل المحلية (القوى المسلحة) المرتبطة بالستراتيجية الايرانية على امتداد خريطة المنطقة. غير أن هذه التطمينات المصحوبة بتنسيق عسكري واستخباري عالي المستوى، عكستها الزيارات المتتابعة لمستشاري الامن القومي ووزراء الدفاع والخارجية وقيادة الاركان، لم تثبط عزيمة الجناح اليميني الذي يقوده نتنياهو والمندفع باتجاه عمل عسكري واسع النطاق، يحقق (لاسرائيل) نصرا ستراتيجيا على غرار حرب عام 1967.
ما يؤخر انفراد نتنياهو بقرار الحرب من دون ضوء أخضر أمريكي، محددات عديدة، أولها الانشغال الأمريكي بالحرب الروسية – الاوكرانية، وتمركز اهتمام حلف الناتو على أمن أوروبا والمواجهة مع روسيا، وثانيها اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية، اذ يطمح الرئيس بايدن خوض الانتخابات بدون التورط بحروب ذات نتائج كارثية وبخسائر بشرية ومعاناة انسانية واسعة، خصوصا أن انسحاب ادارة بايدن من افغانستان عام 2021 أشعر المخططين الستراتيجيين الأمريكيين بالتريث في اعتماد سياسة الحروب الصغيرة، كونها كلفت الكثير ولم تحقق النتائج المرغوبة.
ما يغري حكومة اليمين الصهيوني بالتفكير بشن حرب جديدة في لبنان وتشمل سوريا بنطاق أوسع، هو التفكك المتزايد في بنية الدولة اللبنانية وتصاعد التوتر الطائفي وانهيار الاقتصاد ومستويات المعيشة واقتراب البلاد من حالة الفوضى الشاملة، إضافة إلى الصعوبات الشديدة التي يواجهها الحكم في سوريا أمنيا واقتصاديا وعسكريا، وعدم رغبة ايران في التورط بحرب كبيرة لا تملك الامكانات المالية لتمويلها، علاوة على اعتماد ايران على ستراتيجية تحاشي الحرب المباشرة مع أمريكا واسرائيل، واعتمادها على القوى المحلية للنيابة عنها في ذلك.
تلميحات الامين العام لحزب الله الاخيرة بأن هناك تحريضا عربيا (سعوديا )على لبنان، ترافق مع دعوة الرعايا الخليجيين لمغادرة لبنان على جناح السرعة، والتوتر الأمني المتزايد في لبنان، خاصة بعد مواجهات مخيم عين الحلوة الفلسطيني، كلها مؤشرات على أن المنطقة مقبلة على احتمالات انفجار الحرب، تحاول واشنطن تفاديها بإغراء اسرائيل بمكاسب امنية وسياسية واقتصادية عبر الدفع بمشروع التطبيع مع السعودية مع تحقيق بعض المطالب الفلسطينية.
الستراتيجية الأمريكية تراهن على تغيير اتجاهات التفكير والفعل الثقافي والاقتصادي المصحوب بسياسات الاحتواء، والضغط العسكري، بدل التدخل العسكري، فالشعوب التي بلغت حد الاعياء من تردي مستويات المعيشة، وسوء الخدمات وضعف الحوكمة والفساد، باتت تفكر بمصالحها بنحو مغاير لفكر المواجهة العسكرية المستمرة، فالصراع في المنطقة لا يمكن حسمه سريعا، حتى يمكن الاعتماد على التعبئة الايديولوجية وحدها، أنه صراع امتد لأجيال، وسيمتد لأجيال أخرى، والصمود في هذه المواجهة يتطلب العيش وبناء القدرات وحوكمة السياسات والاقتصادات واحترام الانسان ليكون في مستوى المواجهة.