حوار: أحمد عساف
من الفنانات المهمّات والمتميّزات في الحركة التشكيليّة السوريّة، فمنذ تخرّجها في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق. تمكّنت ربا قرقوط من أن تخط لذاتها مساراً فنيّاً خاصّاً بها، وعالماً فنياً متألقاً يشرف على نوافذ الحياة من خلال اللوحة المتميزة، تحاور الألوان والريشة وتقف أمام بياض اللوحة بكثير من الشغف، لتسكب حنين ألوانها بوحاً على لوعة البياض.
قبل نهاية شهر تموز 2023. بأيّام قليلة، كانت قرقوط. قد أسدلت الستار على معرضها الفردي الخامس، الذي أسمته بـ (سكون) في صالة زوايا في باب توما بالعاصمة دمشق. فكان لنا هذا الحوار:
* لماذا السكون. اسم لمعرضك، في عاصمة صاخبة وحياة هي صاخبة أيضاً؟
- اخترت هذا العنوان لمعرضي بعد حوارات عدة بيني وبيني، فأسميته (سكون) والسكون لم أقصد به السكوت أو الصمت، ولا يعني توقف دوران الحياة بكل جمالياتها وإرهاصاتها، بقدر ما كان رغبة جامحة في انبثاق نيزك الألوان في فضاء الروح، هو سكون يقارب الخشوع في محراب الفن، الذي رمَّم أحزان البشريَّة، حين أضاف إليها لمسة جمال بريشة ترد وبكثير من المحبة على صخب الحياة وقسوتها.
* وعن تبدل ألوانها من معرض إلى آخر؟
- الحياة بفصولها المتناقضة من فصل إلى آخر شتاءً صيفاً خريفاً ربيعاً، هي في كليتها تمنح كل فصل ألوانه وخصوصيته ومزاياه وجمالياته..
أنا كفنانة تشكيليّة أشبه الحياة، فلكل معرض من معارضي طقوسه وخصوصيته ومزاياه وألوانه، وأنا ضد من يتوقف عند تكرار تجربته الفنية أو استجرار ذاته. الفن يتطور مثلما الحياة تتجدد.
في فترة من الفترات أحببت التعبيريّة والانطباعيّة، وأحببت المرحلة الزرقاء عند بيكاسو، لكنني لم أتوقف عند تجربة فنان ما أو مدرسة ما. أنا ينبوع من الإبداع المتجدد والمتجذر في شراييني.
* ولماذا الوجوه هي الأكثر حضوراً في معرضك هذا؟
- أنا في كل معرض من معارضي أقدم تجربة فنيَّة جديدة، في محاولة منّي لتجنّب تكرار التجربة الفنيَّة لمعرض سابق. الوجوه هي مرآة الواقع في دهليز عتمة ليالينا، ومن ثمَّ فالوجوه في لوحاتي تتقاطع مع الانفعالات الصادقة لوجوه الناس، تعابير وانفعالات وأحاسيس وجوه شخصياتي في معرضي هذا تشبه صدق انفعالات الأطفال صادقة ومعبرة، الطفل لا يخفي انفعالاته ولا مشاعره، كذلك هي وجوه لوحاتي كاشفة للفرح والحزن والتعب، والطيبة والقهر والحرمان. وجوه تشبه وجوه الملائكة وصدق الأطفال، من حيث الإعلان عن موقف واضح وصريح من الحياة بكل تجلياتها.
بحثي الجديد قائم على رسم الوجوه أيضاً، وفي كل لوحة رسالة أريد إيصالها للعالم وهي من أصعب الرسائل غير المكتوبة بحبر القلم، وإنما بحبر اللون الموشح بتعبير الألوان.
لون غير محايد ينتظرك بكثير من الشغف، أن تسكب ريشتك وألوانك على مساحات بياضه، لتفجّر ينابيع البوح من فكر ورسائل وعشق وحزن، لتعلقها فيما بعد على بوابات لهفة الانتظار لحنين العيون.
* بمن تأثرت من الفنانين؟
- عالميَّاً تأثرت بالفنان بابلو بيكاسو. ومن بلدي سورية متأثرة بالفنان المرحوم فاتح المدرّس. كذلك متأثرة بالفنان السوري بسَّام الحجلي.
* وعن طقوس الرسم لديها تقول:
- ربما تختلف طقوس الرسم عندي مع الكثير من الفنانين، حيث يحبون الذهاب إلى اللوحة وهم في حالات تقترب كثيراً من الألم والوجع والكثير من الحزن الخ. أنا أذهب إلى بياض اللوحة لأرسم حين يكون مزاجي النفسي (رايق) وأكون بحالة هدوء ومنعزلة عن كل شيء، إلا من أغنيات السيدة فيروز..
الفنان الحقيقي هو من لا يستجر ذاته هو من لا يكرّر ذاته الفنيَّة، هو الوحيد القادر على خلق عوالم إبداعيَّة متنوّعة، وحالات تثير الدهشة وتنعش الذاكرة، وتخلق لدى المتلقي حالات من التوغل وبعمق في تلافيف اللوحة واستنباط أفكار ورؤى جماليَّة ومعرفيَّة
وإنسانيَّة.
* بعض المذاهب الفنيَّة الحديثة تحاول إلغاء دور الفكر في اللوحة، وتحاول الاعتماد
على جمال اللون أو تشويهه؟
- أنا ضد فكرة إلغاء دور الفكر وهدف اللوحة، نحن نعيش عصر الحداثة في اللوحة واللون، لأنَّ اللوحة تحمل رسالة إنسانيَّة وفكريَّة وحياتيَّة، إذا اللوحة لا تحمل مقوّمات ودلالات معرفيّة وجماليّة وفكريّة وإنسانيّة، ستكون لوحة للزينة هناك لوحات مخصصة للديكور (ديكوريشن)، لا يطلق عليها اسم لوحة فنيَّة وهي ليست فنيَّة بقدر ما هي تجاريَّة. غويا في لوحاته تحدث عن الحرب الأهلية الإسبانية، بابلو بيكاسو رسم (الغورنيكا) التي تحدثت عن ظلم وقسوة الحروب. اللوحة من دون فكرة ورأي ومنظور استراتيجي إنساني، تبدو مثل طلاء جدران آيلة للسقوط.