تدريب الطيارين الأوكرانيين على {أف 16} يواجه التلكؤ وعدم اليقين

قضايا عربية ودولية 2023/08/16
...

 إيزابيل خورشوديان وإميلي راوهالا وميسي رايان

 ترجمة: أنيس الصفار 


يقول مسؤولون حكوميون وعسكريون أوكرانيون رفيعو المستوى إنَّ المجموعة الأولى من الطيارين الأوكرانيين، وهي مكوّنة من ستة عناصر، لا يتوقع أن تكمل تدريبها على طائرات “أف 16” الأميركيَّة قبل الصيف المقبل نظراً لسلسلة من التأخيرات التي تعتري برنامج التعليم الغربي على هذه المقاتلة المتطورة.

يعكس الجدول الزمني سعة الفجوة الفاصلة بين مؤيدي أوكرانيا، الذين يتصورون أنَّ طائرات “أف 16” ستكون وسيلة دفاع أساسية لهذا البلد على المدى البعيد، وكييف التي تستميت من أجل إيصال هذه الطائرات إلى سماء المعركة بأقرب وقت بوصفها عنصراً حاسماً في المعركة الحالية ضدّ القوات الروسية.

بعد رفضه طلبات أوكرانيا للحصول على طائرات “أف 16” طيلة عام أو أكثر غيّر الرئيس بايدن مساره إلى العكس في شهر أيار وأعلن أنه يؤيد الرأي الداعي لتدريب طيارين أوكرانيين على هذه الطائرات، كما استحسن فكرة تولي دول أخرى مهمة إرسالها. تطوعت دولتا الدانمارك وهولندا لقيادة الجهد التدريبي، الأمر الذي بعث الأمل لدى المسؤولين في كييف بأنَّ الطائرات سوف تباشر الدفاع عن السماء الأوكرانية بحلول شهر أيلول.

هذا النمط بات مألوفاً بين أوكرانيا والولايات المتحدة، الداعم الأول لها عسكرياً، التي كانت تكرر رفضها الطلبات الأوكرانية في كل مرة قبل أن تعدل عن موقفها وتستجيب لها.

لكن بعد أن تكرر تأجيل التدريب عدة مرات ربما سيتعين على أوكرانيا الآن أن تنتظر عاماً آخر بدون هذه الطائرات التي كان المسؤولون في كييف يأملون أن توفر تفوقاً عسكرياً ملحوظاً في خضم هجوم مضاد يعاني البطء والتعثر، وتؤمن للمدنيين حماية أفضل من الضربات الروسية المنتظمة بالصواريخ والطائرات المسيرة.

لكنَّ إدارة بايدن أخذت تبعث اليوم، ولأول مرة، إشارات تتضمن استعدادها لإجراء التدريب على طائرات “أف 16” داخل الأراضي الأميركية. يقول مسؤول أميركي، اشترط عدم الإشارة إلى اسمه، إنَّ واشنطن تبدي استعدادها لاستقدام الطيارين إلى الولايات المتحدة، حيث تقوم القوة الجوية بتدريب نحو 400 طيار سنوياً على طائرات “أف 16”، اذا ما تأكد لها أنَّ القدرات الأوروبية غير كافية للوفاء باحتياجات الأوكرانيين.

رغم إمكانيات الولايات المتحدة المتفوقة ببون شاسع في مجال التدريب، وتحولاً منها عن العديد من مبادراتها الأخرى المتعلقة بالدعم الغربي لأوكرانيا، تبدو إدارة بايدن عازمة على ترك الحلفاء الأوروبيين يأخذون موقع الصدارة في الجهود الخاصة بطائرات “أف 16”، للوقت الحاضر في الأقل.

يكشف تضارب الروايات عن عمق الاحتكاك المستمر بين كييف وداعميها بخصوص أنجع الطرق لوضع أوكرانيا في وضع يمكنها من تحقيق النجاح إزاء القوات الروسية المتفوقة حجماً وتسليحاً بكثير. تُبرز هذه الروايات أيضاً وجود انقسامات بين الداعمين أنفسهم، إذ تضغط حفنة من الحلفاء الأوروبيين من أجل منح أوكرانيا أقصى القدرات للدفاع عن نفسها في حين تقلب إدارة بايدن، وهي أكبر متبرع بالمعدات العسكرية، الأمور بحذر قبل اتخاذ الخطوة التالية.

انتقد القائد العام للقوات الأوكرانية، الجنرال “فاليري زالوشني”، الشركاء الغربيين لتوقعهم من القوات الأوكرانية أن تشنَّ هجوماً مضاداً واسع النطاق من دون امتلاك قوة جوية حديثة. فبدون مقاتلات نفاثة مثل طائرات “أف 16” لن يتمكن الأوكرانيون من المنافسة في الجو، كما يقول المسؤولون الأوكرانيون.

يقول الجنود الأوكرانيون المرابطون على الخطوط الأمامية إنَّ المروحيات الروسية التي تطير على ارتفاع منخفض كانت تنجح في مهاجمة قواتهم على الأرض، وجانب من السبب في ذلك هو عدم قدرة أوكرانيا على تهديدها بالمثل.

ستة طيارين فقط، أي نحو نصف سرب، سيأخذون دورة التدريب الأولى، وفقاً لاثنين من المسؤولين الأوكرانيين، كما تمت تسمية طيارين آخرين كمرشحين احتياطيين.

رغم إلمام هؤلاء الطيارين باللغة الإنكليزية سيتحتم عليهم أولاً تلقي دروس لمدة أربعة أشهر في بريطانيا لتعلم المصطلحات المتخصصة المرتبطة بهذه الطائرات. وهذا ينطبق على الكوادر الأرضية أيضاً، وهؤلاء أقل معرفة باللغة الإنكليزية، وفقاً للمسؤولين الأوكرانيين. ذلك كله سوف يؤدي إلى تأجيل البدء بالتدريب القتالي الفعلي، الذي يتوقع له أن يستغرق ستة أشهر، أي حتى شهر كانون الثاني. بعد ذلك بستة أشهر ستجهز مجموعة ثانية بنفس الحجم تقريباً، أي بحدود نهاية السنة المقبلة، ويُعزى صغر أعداد الطيارين الذين سيخضعون للتدريب في الدفعة الواحدة إلى عدم توفر أعداد كافية من المدربين لدى الدول الأوروبية المشاركة.

يلقي المسؤولون الأميركيون جانباً من اللوم على أوكرانيا في هذا التأخير، إذ يقولون إنها لم تقدم قائمة بالطيارين المستعدين للتدريب إلا مؤخراً كمجموعة أولية. من أصل 32 طياراً أخضعوا لامتحان الكفاءة في اللغة الإنكليزية لم يثبت سوى ثمانية امتلاكهم المهارات اللغوية المطلوبة، أما الباقون فسوف يحتاجون إلى مزيد من الدروس، كما يقول المسؤولون الأميركيون.

يضيف المسؤولون الأميركيون أنَّ خيرة الطيارين الأوكرانيين سوف يبقون في أوكرانيا، بحسب توقعهم، للقيام بطلعات بطائراتهم السوفياتية المطوّرة وإطلاق صواريخ “سكالب” الفرنسية و”ستورم شادو” البريطانية.

يقول العميد “سيرهي هولوبتسوف” قائد القوة الجوية الأوكرانية في حديث مع صحيفة واشنطن بوست إنَّ الطيارين الأوكرانيين لم ينقطعوا عن أخذ دروس اللغة الإنكليزية عبر الإنترنت خلال الفترات ما بين الطلعات طيلة السنة الماضية، لكنهم لم يتمكنوا من أخذ دروس بالمصطلحات المتخصصة في أوكرانيا لعدم توفر الخبرة، وهو يعتقد أنَّ تعلم هذه المصطلحات الإضافية لن يستغرق وقتاً طويلاً بسبب حسن مستواهم اللغوي.

يقول هولوبتسوف إنَّ طائرات “أف 16” مزودة برادار عالي القدرة سيتيح لأوكرانيا التعرف على مزيد من الأهداف والتصدي للطائرات والصواريخ والطائرات المسيرة بأفضل مما تفعله طائرات أسطول المقاتلات الأوكرانية التي تضم طائرات “ميغ 29” و”سو 27” السوفييتية الصنع. كذلك سيكون بوسع أوكرانيا نشر صاروخ “حربون” المضاد للسفن الذي ستزودها به بريطانيا عن طريق طائرات “أف 16”، وهي قدرة لا تمتلكها كييف حالياً وإلا لاستهدفت بها قطع البحرية الروسية التي تشن ضرباتها الصاروخية بانتظام من البحر الأسود.

بواسطة طائرات “أف 16” سيكون بالوسع أيضاً إطلاق صواريخ “هارمس” عالية السرعة المضادة للإشعاع التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا في العام الماضي، كما يبين هولوبتسوف، ويضيف أنها حالياً قد تم تكييفها للاستخدام بواسطة مقاتلات “ميغ 29” لكن فعاليتها محدودة كثيراً بسبب الافتقار إلى نظام التسديد المناسب.

في الوقت الذي تثير فيه حكومة زيلنسكي ضجة طلباً للمساعدة الفورية من أجل تعزيز القدرات الجوية الأوكرانية يرسم المسؤولون في الولايات المتحدة رؤية مختلفة كلياً لطائرات “أف 16”. فبدلاً من النظر إليها كسلاح سيغير الحسابات على أرض المعركة من خلال العمليات الأوكرانية الحالية في شرق البلاد وجنوبها يميل هؤلاء إلى وصفها بأنها أداة سيكون لها دور بارز في تحويل كييف إلى قوة إقليمية حسنة التسلح قادرة على ردع روسيا بشكل فعال.

يقول العميد “باتريك رايدر” السكرتير الصحفي للبنتاغون: “طائرات أف 16 مرتبطة بالتزامنا طويل الأمد تجاه أوكرانيا، وهي قدرة لا علاقة لها بالهجوم المضاد الحالي.” ثم يمضي مشيراً إلى المساعدات الأمنية الأميركية المستمرة منذ الغزو الروسي في شباط 2022، التي تجاوزت مبلغ 40 مليار دولار، بما في ذلك الصواريخ ومعدات إزالة الألغام والدفاع الجوي. يضيف رايدر أنَّ الولايات المتحدة سوف تواصل دعم حلفائها عن طريق توفير التدريب لهم على طائرات “أف 16” في أقرب وقت. يذكر المسؤولون الأميركيون أيضاً أنَّ ذلك هو سبب تزويدهم أوكرانيا بصواريخ أرض جو وأنظمة الدفاع الجوي المتحركة القادرة على استهداف المروحيات الروسية والعمل على تزويدها بما هو أكثر من ذلك.

طالبت أوكرانيا حلفاءها بالطائرات المقاتلة منذ الأيام الأولى للغزو الروسي، ولكن مسعاها لم يكتسب زخماً إلا في الربيع الماضي، وقد جاء التغير في موقف بايدن جراء اشتداد الضغوط المكثفة من قبل الأوكرانيين والمسؤولين الأوروبيين والمشرعين في الولايات المتحدة بعد إصرار المسؤولين الأميركيين لأشهر على أنَّ الطائرات لن تشكل حاجة ماسة في هذه المرحلة من القتال.

خلال مؤتمر قمة لزعماء الناتو عقد في شهر تموز أعلن مسؤولون دانماركيون وهولنديون أنَّ تسع دول أخرى: هي بريطانيا وبلجيكا وكندا ولوكسمبورغ والنرويج وبولندا والبرتغال ورومانيا والسويد، قد أبدت استعدادها للمشاركة وأنَّ التدريبات سوف تبدأ خلال شهر آب.

الآن، وقد حل شهر آب، يبدو واضحاً أنَّ الخطط لم تخرج من طور التشكل بعد. فالدانمارك وهولندا تشعران بالحذر من الخوض في أي تفاصيل تتعلق بنطاق المسعى أو مداه أو توقيته.

ترفض وزارة الدفاع الدانماركية الإدلاء بتعليق حول المدة التي سيستغرقها البرنامج أو الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالتأخيرات الزمنية المحتملة، بينما تعمل الحكومة الهولندية مع رومانيا على إنشاء مركز للتدريب في رومانيا، لكنَّ المسؤولين الأميركيين يقولون إنَّ الأمر سيستغرق وقتاً. 

صرّح المقدم “مارك فان ديبيك” المتحدث باسم وزارة الدفاع الهولندية أنَّ التفاصيل لا تزال في طور التكامل، وأضاف أنَّ التحدي الأساسي يتمثل بقلة المدربين على طائرات “أف 16” في أوروبا. فهولندا على سبيل المثال تمر الآن بمرحلة الانتقال إلى طائرة “أف 35” الأكثر تقدماً، وبالتالي انصرف تركيزها التدريبي عن طائرات “أف 16”.

يشدد فان ديبيك على أنَّ تدريب شخص ما على الطيران بطائرات “أف 16” في المعركة مهمة معقدة ينبغي التقدم بها على خطوات، ويقارن الأمر بالتدرب على قيادة السيارة داخل ساحة وقوف السيارات. يقول إنَّ قيادة السيارة في ساحة الوقوف لا يجعلك مؤهلاً للقيادة، وكذلك التدريب على طائرة “أف 16”، فهو لا يجعلك مؤهلاً لخوض المعركة، والخطوة الأخيرة يجب أن تكون التدريب القتالي.

كثيراً ما يتساءل المسؤولون الأوكرانيون: لماذا لا تتولى الولايات المتحدة، التي تمتلك فريقاً من المدربين أكبر بكثير، تدريب الطيارين في قاعدة “لوك” الجوية في أريزونا. هذا البرنامج أمده سبعة أشهر. وقد سبق للأوكرانيين أن تلقوا تدريباً على تشغيل منظومة باتريوت للدفاع الجوي الأميركية الصنع في قاعدة عسكرية في ولاية أوكلاهوما في وقت سابق من العام الحالي.

يتضح الآن أنَّ إدارة بايدن لا تلزم نفسها باستضافة برنامج التدريب، سواء في قاعدة لوك أو أي منشأة أميركية أخرى، إذا ما ثبت لها، بمجرد بدء العمل بالبرنامج، أنَّ قدرات الدول الأوروبية على التدريب لا يمكنها استيعاب تدفق الطيارين الأوكرانيين. يقول المسؤول الأميركي: “نحن على استعداد لتدريب الطيارين الأوكرانيين داخل الولايات المتحدة إذا ما دعت الحاجة وإذا ما تجاوز عدد الطيارين حدود قدرة أوروبا على ذلك.”

يقول المسؤولون الأميركيون أيضاً إنَّ الإدارة أعلنت أنها سوف تتحرك بسرعة للموافقة على نقل دول الشركاء طائرات إلى أوكرانيا بمجرد أن تصبح الصفقات جاهزة وفقاً لما يمليه القانون الأميركي.

تخطط بريطانيا أيضاً، وهي لا تستخدم طائرات “أف 16”، لأن توفر للطيارين الأوكرانيين التدريب الأرضي والدروس الابتدائية في الطيران من أجل وضع اللبنات الأولى لتدريب أعلى تخصصاً تقوده الحكومتان الهولندية والدانماركية. ويضيف مسؤول بريطاني أنَّ الحكومة البريطانية قد عرضت تدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات “تايفون”، وهي مقاتلات ذات محركين يستخدمها سلاح الجو الملكي، إلا أنَّ كييف اختارت الاستمرار في سعيها للحصول على طائرات “أف 16”. 

تعتقد الحكومة البريطانية، شأنها شأن الولايات المتحدة، أنَّ طائرات “أف 16” ليست سوى جزء من جهد أبعد مدى لتطوير القدرة العسكرية الأوكرانية.

من المتوقع أن تستغرق التدريبات القتالية للطيارين الأوكرانيين الأكثر خبرة مدة ستة أشهر، رغم ذلك يقترح الحلفاء الغربيون الشروع بمسار منفصل للمبتدئين قد يتطلب منهم أكثر من سنتين من التدريب يتضمن دروساً باللغة الإنكليزية.

في حدث يوضح المخاطر التي تتعرض لها أوكرانيا قامت روسيا يوم الجمعة الماضي بإطلاق أربعة صواريخ من طراز “كنزال” الأسرع من الصوت على قاعدة جوية من المنتظر أن يستقر فيها الطيارون الذين سيخضعون للتدريب على طائرات “أف 16”، كما تقول الحكومة الأوكرانية. ويشير “يوري إغنات”، المتحدث باسم القوة الجوية، إلى أنَّ موسكو تحاول ثني الأوكرانيين عن إعادة التسلح بأحدث المعدات الغربية. 


• عن صحيفة “واشنطن بوست”