من الطبيعي جداً أنك تخاف أنْ تصاب بمرض، لكنْ ما هو غير عادي أنْ تصابَ بخوفٍ مستمرٍ وغير منطقي من أنك ستصابُ بمرضٍ تتخيله، أو أنك تفسر تغيرات جسميَّة بسيطة بأنها دليلٌ على مرضٍ خطيرٍ ستصاب به، وهذا ما نسميه بمصطلحات الطب النفسي (توهم المرض)، إذ يشعر المصاب به بقدرٍ كبيرٍ من التوتر بشأن الأمراض المحتمل الإصابة بها، وينشغل بشكلٍ مفرطٍ بصحته، ويفتش بجسمه (ربما بعدسه مكبرة) بحثًا عن علامات تدلُّ على وجود مرض، ويراجع هذا الطبيب وذاك للاطمئنان
ولا يطمئن.
سنروي لكم حالة حقيقيَّة ولنمنحه اسم (أبو محمد)، رجلٌ في منتصف العمر، يعمل في مَذخَرٍ للأدوية، كان يقضي ساعاتٍ يصف بها مشكلاته ومتاعبه الصحيَّة لكل من يستمع إليه، وكان (أبو محمد) هذا قارئاً مثابراً للمقالات والموضوعات الصحيَّة التي تُنشر في الصحف والمجلات، وكان يتناول أنواع الحبوب والفيتامينات تحسباً أو منعاً لإصابته بمرضٍ محتمل، وهو أول من يحاول تجريب أي دواءٍ جديدٍ يُطرح في
السوق. وحدث أنْ ظهرت عليه أعراض مرض عزاها الى اعتقاده بوجود اختلالٍ خطيرٍ في ضربات قلبه، فأخذ يراجع الأطباء باستمرار من دون حصوله على إجابة منهم تؤكد وجود خللٍ في جسمه، بل كانوا يؤكدون له أنَّه في صحة جيدة، غير أنَّه يشكك بوسائل أو أدوات التشخيص التي يستعملها هؤلاء الأطباء فعزا الأمر أخيراً بأنَّ مرضه من النوع النادر الذي يصعب تشخيصه حتى على أحدث الأجهزة المتطورة.
تلاحظ عزيزي القارئ، أنَّ الصفة الأساسيَّة في المصابين بهذا الاضطراب، أنهم بالرغم من تأكيد الأطباء بأنَّه لا توجد لديهم أمراضٌ حقيقيَّة، فإنَّهم يشككون في الأطباء ولا يقتنعون بتشخيصهم، كما في حالة "أبو محمد" وهي حقيقيَّة كما أشرنا، ولهذا يبقى المصاب بهذا الاضطراب يراجع الأطباء بحثاً عن طبيبٍ يقول له بأنه مصابٌ بالمرض الذي يشكو منه.
المصابون بتوهم المرض (أو: الهايبوكوندريا) لا يعانون بالضرورة من ألمٍ أو وجعٍ بدني بقدر ما يبالغون في تفسير أية علامة ولو كانت خفيفة عن تغير في الجسم أو في الصحة، وغالباً ما تصاحبه اضطرابات نفسيَّة أخرى لا سيما القلق
والاكتئاب.
ومع أنَّ الوراثة تشكل أحد أسبابه، لكنَّ الأهم منها سببان نفسيان: الأول، أنَّ أسرته وسواسيَّة وكثيرة التردد على الأطباء، والثاني صراعٌ نفسيٌّ لا شعوري، أو إساءة فهم لما يقرأ من موضوعات صحيَّة تعزف على وتر عقدة نفسيَّة لا شعوريَّة.
وينبغي الانتباه إلى أنَّ (توهم المرض) هو غير (الوسواس القسري).
والفرق أنَّ المصابين بتوهم المرض ينشغلون بفحص بدنهم (عضو أو أكثر)، بينما يكون انشغال المصاب بالوسواس القسري بأفكارٍ تقتحم ذهنه (وساوس) أو إلحاحات متكررة للقيام بأعمالٍ (قسريَّة) مثل التأكد من غلق الباب لعشر مرات أو أكثر في الليلة
الواحدة.