علي حسن الفواز
قد تكون مُتغيّرات السياسة أسرع من غيرها، مثلما أنّ متغيرات الاقتصاد ستكون أكثر واقعية من غيرها، ومابين المُتَغيرين تلعب المصالح وحُسن إدارة الأزمات لعبتها، وبالاتجاه الذي يجعل مجريات الأمور أكثر جذباً وتفاعلاً، وأكثر جدوى، فما بعد القمة الروسية الأفريقية باتت الأمور مفتوحة على احتمالات شتّى، وعلى معطيات يمكن أنْ تأخذ بفكرة المُتغيّر السياسي إلى ماهو ضدي، إذ لم يعد الرهان القديم على الغرب بديهياً، وخاضعاً لحسابات الذاكرة واللغة، ولضواغط الهيمنة، فكان الانفتاح على روسيا وكأنه نوعٌ من الذهاب إلى "واقعية جديدة" وإلى رهان جديد، لاسيما وأنَّ الغرب جعل من أفريقيا معسكراً خلفياً، ومنجماً لإدامة التسويق الاقتصادي والتسليحي، ولتأطير الجغرافيا بنوع من الصيانات الحكومية والايديولوجية، وهو مادفع البعض، ومن صغار الضباط إلى التمرد على رئاسات القلعة القديمة، ليبدو المشهد وكأنه صناعة لأفقٍ جديد في أفريقيا تبحث عن الضد النوعي إزاء ما كرسه عقل التابع في التاريخ الكولنيالي.
قمة بطرسبورغ لها بُعدٌ اقتصادي ظاهر، لكنّ الأعمقَ فيها كان هو الاقتصاد، وربما هناك حسابات أخرى، دفعت إلى التعجيل بتحريك المزاج الانقلابي في هذه الدولة أو تلك، كما أثارته الانقلابات العسكرية في عددٍ من دول غرب أفريقيا "مالي بوركينا فاسو والنيجر" والتي كان يعدّها كثيرون جزءاً من الاحتكارات الفرنسية، لتجد نفسها أمام متغيّر صعب، ورهان أصعب وعند تحوّلٍ صادم، له أفق ساخن يمور بحركة جيلٍ من الضباط الخارجين على سلطة المعسكر القديم.
ماتحدث به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمّة بطرسبورغ دفع – من جانب آخر- الى التلويح بتأمين سياسة الاشباع، والى معالجة مظاهر الفقر الذي تعيشه القارة السمراء، وتحريك نوازع "الثورة القديمة" التي سبق وأن تحدّث عنها فرانز فانون وسبيفاك، والتي تنطلق من فكرة " دع التابع يتكلم" لكن الكلام هذه المرة كان أكثر صخباً، وأكثر حساسية إزاء الآخر القديم، الموهوم بفكرة السيطرة على الناس والثروات وأنماط التفكير.
حديث الشراكات الستراتيجية بين روسيا وبعض دول أفريقيا لايعني سوى الحديث عن المصالح، وعن السعي الى تغيير جيوسياسي في الخرائط السياسية والأمنية والاقتصادية، وهي بطبيعة الحال ليست بعيدة عن الصراع المفتوح بين روسيا والغرب، إذ بات الرهان مفتوحاً، والجغرافيا مفتوحة، والمصالح تدفع إلى تغيير موازين القوى وحسابات الحقل والبيدر.