الألعاب الإلكترونية.. الحياة بعيداً عن الواقع
صفاء ذياب
صرّح أحد العلماء في برنامج تلفزيوني أن التطور الذي حدث في العالم ابتداءً من العام 2000 حتى اليوم يساوي تماماً تطور العالم منذ بدء الخليقة حتى العام 2000، وهذا بسبب القفزات التي لم تتوقّف كلّ لحظة، بدءاً من إصدار أول هاتف محمول وحتّى التقنيات الحديثة في الهواتف والكومبيوتر والأجهزة الإلكترونية الأخرى، إلى أن وصلنا اليوم لما يعرف بـ (الذكاء الاصطناعي) الذي من المتوقّع أنه سيغير حياة البشر، وسيلغي وظائف لا حصر لها، فضلاً عن السهولة في التعامل مع كلِّ ما يمكن أن يمرَّ بك في الشارع أو العمل أو البيت أو التصميمات، أو الفن أو الأدب، حتَّى بدأ المختصون يتحدثون عن مخاوف قادمة من الذكاء الاصطناعي ستؤثر في الطبيعة البشرية نفسها.
في عام 1950 أنتج مصنع روجرز ماجستيك الكندي جهاز كومبيوتر مدمج في شكل لعبة الكترونية ضخمة، أطلق عليه حينها (دماغ بيرتي) الذي كان هدفه إقناع الناس بقدرات أجهزة الكومبيوتر حينذاك، ثم تبعه إنتاج شركة فيرانتي البريطانية عام 1951 جهازاً شبيهاً تحت مسمى (ميمرود) لأجل الهدف ذاته، ليشكّل الجهازان نواة عصر الألعاب الإلكترونية الذي سينطلق منذ هذا التاريخ.
فمن الألعاب الإلكترونية البدائية مروراً بألعاب الأركيد وتأسيس شركة أتاري وألعاب الفيديو المنزلية وأجهزتها الكلاسيكية، وصولاً إلى أجيال البلي ستيشن والأكس بوكس وألعاب الهواتف النقالة، وحتى ألعاب الواقع الافتراضي والميتافيرس، عكف مصممو الألعاب الإلكترونية على صنع بيئة ترفيهية تحاكي الواقع بأكبر قدر ممكن من التقنية، ليشكّلوا لأطفالنا وشبابنا واقعاً ترفيهياً يقضون فيه الليل والنهار وقت ما شاؤوا، ويستفيدون منه مهارياً وعقلياً بتنمية قدراتهم، لكن هل تساءلنا يوماً عن الآثار لهذا العالم الماثل في شاشة صغيرة؟ وهل فكرنا في الضوابط والمحددات التي يجب توافرها في هذا العالم الإلكتروني حتى لا تتحوّل رفاهية الأبناء إلى جحيم للآباء؟.
تاريخ الألعاب الإلكترونيَّة
قبل الخوض في تفاصيل هذه الألعاب، نحتاج إلى أن نفهم التطورات التي طرأت على هذا العالم، فبعد عامي 1950 و1951 كما ذكرنا، بدأت هذه الألعاب بالتطور بشكل ملحوظ ومطّرد وصولاً لسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، العقد الذي أصبحت فيه ألعاب الفيديو الإلكترونية تشكّل جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال والمراهقين والشباب، وبدأت ألعاب الفيديو بداية بسيطة تعتمد على الرسوم المتحرّكة الظريفة، وحقّقت نجاحاً كبيراً بسبب جاذبيتها وقدرتها على الترفيه والتسلية.
فألعاب الفيديو بدأت رسمياً في السبعينيات، إذ أصدرت شركة تدعى Nutting Associates أول لعبة فيديو تجارية وكانت تسمّى Computer Space وذلك في العام 1971.
وبعد سنة واحدة فقط، ظهرت شركة الألعاب الشهيرة Atari التي أسّسها Nolan Bushnell، الذي عمل في البداية لصالح شركة Nutting Associates.
والحدث الأهم في تلك العقود إطلاق شركة أتاري أول لعبة تجارية ناجحة عُرفت باسم Pong.
كيف وصلنا للألعاب المنزليَّة؟
انتشرت ألعاب الفيديو بشكل موسع، حتى بدأ التفكير في أجهزة ألعاب منزلية، فظهرت لعبة Dubbed the Odyssey من إنتاج شركة Magnavox، التي فتحت أبواب تجارة ألعاب الفيديو المنزلية.
غير أن جهاز هذه اللعبة لم يكن يملك أي معالج، بل كان مؤلفاً من عدد قليل من الترانزستورات والديودات، ولهذا كانت هذه اللعبة محدودة للغاية.
وهو ما جعل شركة أتاري تقوم بإنشاء نسخة منزلية من لعبتها الشهيرة Pong، وكان ذلك في العام 1975 كأحد أول الصراعات بين شركات الألعاب، الذي فازت به النسخة المنزلية من لعبة أتاري، وحققت نجاحاً مذهلاً.
وهو ما جعل الشركات اليابانية تتسيّد على سوق الألعاب، فبعد 6 سنوات، حدث طوفان من ألعاب الفيديو في السوق، ما أدى الى حدوث انهيار كامل لهيمنة الشركات الكبرى على سوق الألعاب في أنحاء العالم، حتى ظهور شركة ناينتيندو اليابانية، لتقدّم نظاماً ترفيهياً جديداً، تضمن عدّة تطويرات أهمها الاعتماد على الأزرار بدلاً من المقبض، وإنشاء نسخ أصلية خاصة للألعاب في الأنظمة المنزلية.
الأفكار الجديدة
لم يتوقف تطوّر الألعاب حتى أطلقت Nintendo فكراً تسويقياً يضمن النجاح، وكان ببيع الأجهزة الأساسية للعب بأسعار رخيصة، والاعتماد على بيع الألعاب المتعدّدة لتحصيل الربح.
وهذا النظام الربحي هو النظام القائم حتَّى الآن للربح في ألعاب الفيديو، الذي سبب انتعاشاً في سوق الألعاب العالمية.
ثم تطورت الأجهزة لتشمل لوحات مفاتيح كبيرة وألعاباً متعددة.
لم تتوقف اليابان عن هذه الأفكار في طرح الألعاب الإلكترونية حتى أُطلقت شركتا سوني وسيغا للألعاب في اليابان اللتان تميّزتا ببناء أنظمة ألعاب منزلية خاصة بهما.
وفي العام 1995 أنتجت شركة سوني جهاز البلاي ستيشن وفي العام 2005 أنتجت شركة مايكروسوفت جهاز الإكس بوكس، وتوالت أجهزة الألعاب لإصدار البلاي ستيشن 2 و3 وغيرها من الأجهزة التي لم تتوقف حتى اليوم.
ألعاب غيّرت الأجيال
هذا التاريخ الطويل للألعاب الإلكترونية، جعلها تتغيّر بين مرحلة وأخرى، غير أنها الآن يمكن أن تعرّف بأنَّها أنشطة افتراضية يندمج فيها اللاعبون داخل عالم افتراضي غير حقيقي وفقاً لقواعد وضوابط محدّدة سلفاً وتنتهي بنتائج يمكن قياسها بطريقة كميّة، وتعمل هذه الألعاب الرقمية الإلكترونية على التلفزيون أو جهاز البلاي ستيشن أو الحاسب الآلي أو الهواتف المحمولة أو الآيباد وغير ذلك من الأجهزة المخصّصة لها، وتختلف أنواع تلك الألعاب من حيث طبيعة مشاركة اللاعب سواء من كونه محارباً في ألعاب الحرب والقتال والرغبة في السيطرة على الآخرين، ومنها ألعاب السباق أو ألعاب التفكير والذكاء والألغاز، ومنها ألعاب المغامرات والمشاركة في العوالم الافتراضية بصور مختلفة، ولكلِّ نوع من هذه الأنواع مميزاته وعيوبه، وأيّاً كان الهدف من تلك الألعاب الإلكترونية فإنَّها أصبحت واقعاً يسيطر على غالبية الشباب والأطفال.
ومثلما أن هذه الألعاب بدأت كمتعة لحظية، غير أن هذه المتعة تحوّلت إلى متعٍ مغايرة ذات فوائد عدّة، فقد اختلفت طبيعة الجيل الحالي عن الأجيال السابقة؛ إذ ارتبط الأطفال في هذا الجيل بالألعاب الإلكترونية بشكل لافتٍ للنظر، وأصبح العديد منهم يفضل العيش في عالم الألعاب الافتراضي بدلاً من إقامة علاقات اجتماعية مختلفة مع الأصدقاء واللهو معهم، وقد ذكرت بعض الدراسات أن الألعاب الإلكترونية لها كثير من الفوائد، فقد ثبت أنها تزيد القدرة والسرعة في اتخاذ القرارات الحاسمة بنسبة 25 % عن الآخرين الذي لا يلعبون ألعاباً إلكترونية، كما تزيد نسبة الإدراك والمعالجة العقلية للأجسام الثلاثية الأبعاد لدى النساء خاصة بنسبة تصل إلى 42 %، وفي ما يلي أهم فوائد الألعاب الإلكترونية للأطفال:
التسلية والترويح: تعمل الألعاب الإلكترونية على تسلية الأطفال والشباب وقضاء وقت الفراغ والترويح عن النفس، بل تحقق المتعة والراحة النفسية للاعبين عند تحقيق الانتصار أو الفوز؛ لذلك يميل إليها كثير من الشباب عند العجز عن الخروج إلى المتنزهات أو الحدائق العامة للترويح عن النفس والتسلية والحصول على المرح والمتعة.
تخفيف الألم: من الفوائد العجيبة للألعاب الإلكترونية التي أشار إليها بعض الخبراء البريطانيين، أنها تعمل على تخفيف آلام مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي؛ إذ تعمل على تحويل انتباه المريض إلى الألعاب الإلكترونية بدلاً من التركيز مع الألم، بل يشير بعض الخبراء إلى إمكانية استخدامها لتحويل انتباه اللاعبين من الإحساس بالألم إلى تلك الألعاب؛ إذ تؤدي إلى اعتدال المزاج والترويح عن النفس، فضلاً عن تخفيف الإحساس بالألم.
تنمية الذكاء والقدرات الذهنية: تحتوي كثير من تلك الألعاب الإلكترونية على خطوات ومهارات من شأنها تنمية القدرات الإدراكية والذكاء والتفكير والقدرة على اتخاذ القرارات لدى الأطفال والشباب، كما تزيد من قوة الملاحظة والسرعة في رد الفعل والقدرة على التوفيق بين الحركة والعين مع تنمية الخيال والقدرة على الابتكار، مع تزويد الأطفال والشباب ببعض المعلومات العامة النافعة والمفيدة سواء كانت معلومات عامة أو دينية أو ثقافية أو غير ذلك.
تنمية مهارة التعامل مع الأجهزة الإلكترونية: تؤدّي ممارسة الألعاب الإلكترونية إلى تنمية مهارة الأطفال في استخدام الحاسب الآلي والأجهزة الإلكترونية؛ لأنَّهم يلعبون رغبةً في المتعة والمرح فتزداد نسبة الاستفادة بخلاف الدروس التعليمية التي تفرض عليهم التعلم وتلزمهم به.
التعليم: يمكن الاستفادة من الألعاب الإلكترونية في مجال التعليم؛ وذلك لأنَّها تجعل عمليّة تعلّم الأطفال ممتعة وتجذبهم إلى المنهج، فقد ثبت أن تحويل المناهج التعليمية للأطفال إلى ألعاب إلكترونية وتحويل المقررات التعليمية إلى صورة ألعاب حاسوبية يزيدان من نسبة تفاعل الطلاب مع المنهج بصورة أكبر بكثير من الدراسة التقليدية.
أضرار الألعاب الإلكترونيَّة
مثلما هناك فوائد عدّة للألعاب الإلكترونية، فإن هناك أضراراً أكثر من تلك الفوائد، وأشد خطورة على الأطفال، إذ يمكن أن تعلّم الأطفال بعض الأساليب والمهارات التي يرفضها المجتمع كالعنف والقتل وارتكاب الجرائم وغير ذلك.
الأضرار الصحية: الإفراط في ممارسة الألعاب الإلكترونية يؤدّي إلى إصابة الأطفال بكثير من الأضرار الصحية، ومنها ضعف القدرة على البصر بسبب قضاء الأوقات الطويلة أمام شاشة الكومبيوتر والأجهزة الرقمية، وكذلك الإصابة بالصداع أو الإجهاد وتشنجات في عضلات العنق، فضلاً عن آلام الظهر والكتفين، ومن المشكلات الصحية أيضاً زيادة الوزن بسبب كثرة الجلوس أمام تلك الأجهزة.
الآثار الاجتماعية: إذ يتعلّم بعض الأطفال سلوكيات عدوانية من خلال ممارسة ألعاب الحرب والقتال والمغامرات القتالية أو احتراف الجريمة، فالطفل يرغب في تجريب ما هو جديد باستمرار، فضلاً عن تقليد ما يشاهده في تلك الألعاب وتقمّص أدوار البطولة التي يشاهدها أو يمارسها في عالمه الافتراضي داخل الألعاب الإلكترونية التي يواظب عليها أو يختارها دون رقابة أسرية على ذلك، وقد يؤدي ذلك إلى اضطراب في سلوك الأفراد بسبب التأثر بما يتعلمونه أو يرغبون في محاكاته من الألعاب الإلكترونية.
التأخر الدراسي: في كثير من الأحيان يؤدّي انشغال الأطفال وإدمانهم للألعاب الإلكترونية إلى التقصير في الواجبات المدرسية وإهمال الدراسة، ما يؤدي إلى التأخر الدراسي وقلة التحصيل والإصابة ببلادة الإحساس وعدم الشعور بالغيرة من أقرانهم المتفوقين دراسيّاً بسبب الهروب من الواقع المؤلم إلى العالم الافتراضي الذي يجدون فيه المتعة والتسلية.
سلبيات دينية وأخلاقية: تحتوي الكثير من الألعاب الإلكترونية على صور عارية أو مناظر تخالف العقيدة والقيم الأخلاقية أو الإشارة إلى بعض الشعارات الدينية والسخرية من أخرى؛ وذلك يرسّخ بعض القيم والمفاهيم المغلوطة لدى الأطفال التي قد تتنافى مع العقيدة الدينية أو القيم المجتمعية.
ضعف القدرة على التركيز: تشير بعض الدراسات والأبحاث إلى أن الألعاب التعليمية تؤثّر سلباً في قدرة الأطفال على التركيز؛ إذ تعمل على تشتيت انتباه الطالب من خلال تخيل أحداث ألعاب العالم الافتراضي الذي أدمن العيش فيه، ما يؤثّر في قدرته على التركيز والحفظ والاستذكار وغير ذلك.
الإنطواء والسلبية: يؤدي إدمان الألعاب الإلكترونية إلى تجنّب الأطفال التواصل مع الآخرين والميل إلى الانطواء والكآبة والاعتكاف على النفس بسبب قضاء الساعات الطوال أمام تلك الألعاب بعيداً عن الأهل والمقربين من الأصدقاء والأقران، وقد أشارت بعض الدراسات الحديثة إلى أن أحد أسباب إصابة الأطفال بمرض التوحّد هو الانعزال عن الآخرين والانشغال بالأجهزة الحديثة والألعاب الإلكترونية.
مضيعة للوقت: من أخطر سلبيات الألعاب الإلكترونية أنها تضيّع الوقت بشكل كبير؛ إذ لا يشعر اللاعبون بمرور الوقت أمام تلك الأجهزة الإلكترونية الحديثة بسبب إدمان تلك الألعاب وقضاء الساعات أمامها من دون وعي لخطورة تلك المشكلة التي قد تؤدّي إلى ضياع سنوات من عمر الإنسان من دون نفع أو فائدة.
مخاطر الإشعاعات الكهرومغناطيسية: تنبعث بعض الأشعة من الأجهزة المستخدمة في الألعاب الإلكترونية تسمّى (الأشعة الكهرومغناطيسية) التي يقوم الجسم البشري بامتصاصها، ما ينتج عن ذلك إصابته بالعديد من المخاطر الصحية كالتوتر والقلق غير المبرّر وكثير من الانفعالات السلبية والتهابات المفاصل والإصابة بأمراض هشاشة العظام وزيادة فرص الإصابة بحساسية الصدر والجلد.