خبز الفقراء

الصفحة الاخيرة 2023/08/20
...

محمد غازي الأخرس
لطالما سمعت الاقتراح وضحكت منه في سري، الغوا البطاقة التموينية ووزعوا بدلاً مالياً عوضاً عنها، انتهوا من صداعها المزمن و"ارتاحوا". هكذا قيل قبل سنوات وهكذا يقال اليوم، مع اختلاف الدوافع بين البطاقة التموينية التي "شلعت" قلوبنا سابقاً، والسلة الغذائية الناجحة نسبياً اليوم. لماذا يريدون إنهاء تجربة السلة واستبدالها ببدل نقدي ينزل في جيب رب الأسرة؟

بيني وبينكم، المبررات واهية والاقتراح "خبيث" كما أحسب، وينطلق من شعار : عليّ وعلى أعدائي، لجهة أن مطلقيه ربما يريدون استهداف تجربة السلة حصراً، وليس فكرة البطاقة التموينية، بقرينة انتشار اتهامات وشبهات بكون السلة الغذائية منخورة بالفساد وأصبحت عبئاً على الدولة وباباً للصفقات المريبة، وعلى الحكومة انهاؤها لتريح رأسها من صداعها. يقال ذلك منذ فترة رغم أن التجربة نجحت في ضبط سوق المواد الغذائية وحدّت من تضخم الأسعار بعد اغلاق طرق التجارة العالمية خلال سنتي كوفيد- 19 وحرب أوكرانيا. صحيح أن أسعار الزيت والرز والحبوب وبقية المواد الأساسية ارتفعت في الأشهر الأخيرة، لكن ذلك جرى كردة فعل على ارتفاع سعر الدولار، ولا علاقة للأمر بشح المواد التموينية في السوق. 

نعم، توزيع مفردات السلة منتظم شهرياً، وانعكس هذا بشكل جيد على استقرار السوق، وطمأن الأسر الفقيرة لأمنها الغذائي، وعليكم وضع ألف خط أحمر تحت عبارة (الأسر الفقيرة) لأن المستفيد الأول والأخير من الحصة هو الشريحة دون المتوسطة، هذه الشريحة التي يعتمد مطبخها على ما توفره لها سلة الدولة من مواد أساسية. 

دعكم من الطبقة الوسطى وما فوقها، فأبناء هذه الطبقة لن يتأثروا كثيراً بغياب الحصة التموينية، فبعضهم يتفضلون بها على أسر تحتاجها فعلاً، ويسهمون بطريقة غير مباشرة في تأمين جزء من أمنهم الغذائي. 

هل تساءلتم مثلاً كم من نساء الطبقة المتوسطة ما زلن يخبزن بالتنور كما تفعل أمهاتهن، أو كما تضطر نساء الأسر الفقيرة حالياً؟

كان منظر التنور أساسياً في بيوتنا، أما اليوم فالزحام يشتد عند الصباح على أفران الصمون وفي الظهيرة على المخابز. 

ولكم دهشت قبل فترة حين زرت بيت شقيقتي فرأيت "جناينها" يخبزن بنشاط تحضيراً للعشاء، منظر بتنا نفتقده للأسف. 

الآن، فلنترك هذا كله، ونتخيل ما سيجري في اليوم التالي لاتخاذ قرار إيقاف البطاقة التموينية واستبدالها بمبلغ مالي، ما الذي سيجري؟

باختصار سوف ترتفع أسعار المواد الغذائية بطريقة جنونية، وتبدأ موجة من الارتدادات في السوق، ترتفع بها الأسعار في القطاعات الأخرى، فيتأثر الجميع، فقراء وطبقة وسطى. 

لهذا، شخصياً لا أتمنى مجرد التفكير بهذا الاقتراح، بل على العكس، أتمنى من الحكومة أن تطور السلة الغذائية وتستخدمها متراساً لمجابهة الفقر. قد يبدو الأمر مجرد دقيق ورز وزيت وسكر، لكنه في الحقيقة يعني الكثير، بل الكثير جداً، فانتبهوا يرحمكم الله.