ثقافة محرومة من دعم الحكومات المحلية

ثقافة 2023/08/20
...

  استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 

بين جمهرة من المنائر المزدحمة بالحمائم، والمدن الآثارية التي يتراكم صدى صيحات الجنود البابليين على شرفاتها وأسوارها، هناك بين الأنهار والقرى والبساتين، حيث الفرات يتغلغل في الأفكار والرؤى والتواريخ، باثاً زوارق أحلامه مع الموج إلى ضفاف الملاحم، هناك حيث الأناشيد تتصاعد بين أنفاس الأمكنة، حيث تفصح وجوه الأهالي عن سماحة القباب، تتعانق مع مطر السماء، عن موج الفرات، يحفر بالذاكرة، عن القصور التي تكنس الريحُ فيها غبار تماثيل الملوك ومسلاتهم.

النجف وكربلاء وبابل من المدن التي طالما شهدت استقراراً اجتماعياً نسبياً، فهي لم تشهد ظاهرة لهجرات جماعيّة بسبب الحروب أو الفقر ما عدا هجرة أبناء الريف الى المدينة وهذه ظاهرة تساوت فيها أغلب المحافظات العراقيّة. كما أن موقعها الجغرافي في وسط البلاد مكّنها من التواصل مع أكثر المدن وجعلها بعيدة عن تجاذب قد يحصل في المدن الحدوديّة كمشكلات الحرب والتنازع القومي والعرقي والطائفي، فضلا عن امتلاكها لمراكز دينيّة ومواقع تاريخيّة تمثل محجاً للعالم. كل هذا جعل المشهد الثقافي في هذه المحافظات مطالباً بمنجز ينتمي لكل تلك المحفزات والخصوصيّات التي تحدثتُ عنها. 

من هنا تساءلت في حضرة نخبة متميزة من مثقفي هذه المحافظات عن فاعلية المشهد الثقافي والابداعي والمعرفي فيها؟، عن خصائصه ومميزاته عن غيره؟، ماذا يحتاج من مشاريع على مستوى النوع والكم، وماذا يمتلك من بنى تحتيّة ثقافيّة كالمسارح ودور عرض السينما وما إلى ذلك؟، ما أهمية الدعم المادي والمعنوي المقدّم لها من الدولة ومؤسساتها المتنوعة؟، ما الذي تقترحه في سبيل تطور المشهد الثقافي فيها؟. 


جمهور الثقافة بعد سقوط الموصل

أمين الشؤون الإداريّة في اتحاد أدباء النجف القاص أحمد محمد الموسوي، عدّ لحظة سقوط الموصل نقطة هبوط في الخط البياني للنشاط الثقافي في النجف، ونقطة انحسار للجمهور وقلة تفاعله مع ما يقام من فعاليات قياساً بالمؤشرات نفسها ما بعد 9 نيسان 2003 الى ما بعد 10 حزيران 2014.

وأضاف الموسوي موضحاً رأيه:  ولهذه الظاهرة أسباب أخرى مضافة للأجواء التي رافقت صدمة سقوط ثلث العراق بيد عصابات داعش الاجرامية؛ ومنها بحسب ظني: أن المجالس والمؤسسات الثقافية في النجف لم تستطع أن تستقطب جمهور الشباب الصاعد آنذاك واكتفت بجمهورها التقليدي الذي واكب انفتاحها بعد التغيير، والدليل على ذلك الإقبال الكبير من الشباب على معارض الكتب المقامة على أرض النجف قياساً بندرة تفاعلهم مع نشاطات المؤسسات والمجالس الثقافيّة. ويضاف إلى أسباب انحسار الجمهور أنها، أي المجالس الثقافية، بدأت - بعد عقد من الزمان - خسارة جمهورها؛ بفعل تقادم الأعمار والوفيات من جهة، ورتابة وطبيعة ما يطرح من مواضيع مكررة وغير ذات علاقة بأزمات الواقع الراهن واهتمامات الأجيال الصاعدة.

وعلى الرغم من ذلك، تتمتع النجف ببنى تحتية ثقافية جيدة، ولكنها في معظمها غير مفعّلة بالشكل المرتجى، فالقصر الثقافي الذي يشتمل على مسارح كبرى وقاعات ومرافق ثقافية متعددة مهمل منذ عقد من الزمان بعد إنجازه لأسباب غير معروفة. علاوة على أن النجف تمتلك عدداً كبيراً من المكتبات الخاصة والعامة، الضخمة المتنوعة، مما يتيح لنحلات الثقافة أن ترتشف رحيق المعرفة متنقلة بين شتى ألوان وأصناف

الزهور...

وقال الموسوي أيضا: من جانب آخر بقي النشاط الثقافي في النجف بعيداً عن الدعم الحكومي، بل بعيداً عن الاهتمام الحكومي أيضاً، فمعظم الحكومات المحلية ليس لها علاقة بالثقافة، ولم يأت من هو مهتم بالثقافة في لجنة الثقافة على مدار دورات مجلس المحافظة، ومن البديهي أن المشاريع الثقافية تحتاج إلى دعم الدولة لأنّها مشاريع غير ربحيّة ونتائجها اجتماعية تصب في الصالح العام، وللأسف بقي ما يرصد في موازنات المحافظة للثقافة - على قلته وتواضع أرقامه - يصرف في غير موارد الثقافة وبعيداً عن جادتها.

ومن خلالكم أطالب الحكومة المحليّة أن تعيد النظر في السياسة الثقافية وأن تلتفت للمؤسسات الثقافية المنتجة الأصيلة في المحافظة بعين الاهتمام والدعم لما تقدمه من مشاريع هي في نهاية المطاف تصب في مصالح المجتمع العامة وتكون سلاحاً بيد الشعب لمواجهة الجهل والتخلف والارهاب والتطرف. 


أربع خصائص

الشاعر وهاب شريف، يرى أن النجف تشهد حراكا ثقافيا مميزا ذا خصائص ترتبط بتاريخ النجف على مرِّ الأزمان ومن خلال عدة محاور.

الأول: مجالسها الثقافية وأمسياتها الأدبية طول الأسبوع، كأمسية اتحاد الادباء ونادي الشعر ونادي القصة والمكتبة الأدبية وآل سميسم ومحيي الدين والتراث النجفي ومكتبة الجواد وأصبوحة متحف العشرين والبيت الثقافي وغيرها.

الثاني: مكتباتها العامة والخاصة ومعارض الكتب السنوية كمعرض النجف ومعرض العتبة العلوية ومعرض اتحاد الادباء ومعرض الشارع الثقافي وغيرها.

الثالث: مركزها العلمي الديني الفقهي المتمثل بالمرجعية والحوزة والمدارس والجامعات الاسلامية...

الرابع: الدوريات التي تصدر في هذه المدينة حيث تصدر عن مؤسساتها الثقافية صحيفة شهرية وثلاث مجلات فضلا عن دوريات جامعة الكوفة وكلية الفقه وغيرهما. 

وأضاف شريف قائلا: يبدو لي أن المشهد الفني المسرحي والتشكيلي يأتي في الدرجة الثانية بعد ما ذكرناه أعلاه، ربما يحتاج الأديب والفنان الى دور داعم ومحفّز ومشجّع أكبر من قبل الوزارة المعنية التي يقتصر دورها على دعم المهرجانات ومعارض الكتب في حين لم نلمس منها على سبيل المثال مشاركة  مثقفيها في نشاطات عربيّة وعالميّة يقتصر الترشيح لها لأبناء العاصمة غالباً.

تمتلك النجف مبنى عاصمة الثقافة الذي يضم مسرحا كبيرا من الدرجة الاولى، كذلك يضم اتحاد الادباء قاعتين ومسرحين صيفي وشتوي فضلا عن عدد لا بأس به من القاعات، كقاعة النجف وقاعة الجامعة ومعرض النجف الدائم دعم الدولة قليل في المجالات الثقافية الابداعية فنا وأدبيا.. بالتأكيد ان مضاعفة ذلك الدعم سيكون ذا مردود ايجابي.


حراك نخبوي 

رئيس اتحاد أدباء كربلاء الشاعر سلام البناي، يبين برأيه أن كربلاء قد شهدت حراكا ثقافيا وأدبيا نوعيا – نخبويا – بعد العام 2003، وأن هناك عناوين وواجهات ثقافيّة تمكّنت من تقديم فعاليات مهمة على الرغم من قلة الدعم ومحدوديّة الإمكانات وعدم وجود مقار ثابتة تتناسب مع ما تقدمه من نشاطات، لكنها لم تصمد طويلا، وبعضها مستمر بفعاليات محدودة، ولم يكتب لبعضها الاستمرار، بسبب غياب الدعم والتفاعل الحقيقي مع الشريحة المثقفة من قبل أصحاب الشأن في الدولة، لافتا إلى أن الإحباط قد أصاب بعض الساعين لصناعة مشهد ثقافي إبداعي واستثنى البناي فرع اتحاد الأدباء في كربلاء من ذلك الإحباط لكون الاتحاد المركزي مستمراً بدعم نشاطاته التي يقيمها أسبوعيا. 

وأضاف موضحا: يتوفر لفرع الاتحاد في المدينة مقر مؤقت وفرته لنا الحكومة المحلية وهي داعمة لنا في هذا المقر بما نحتاجه من لوجستيات ومستلزمات محددة، لكن طموحنا أن يكون لدينا مقر مستقل نتمكن من خلاله تقديم منجزات وفعاليات على مستوى واسع يليق بأدباء كربلاء.

وعلى المستوى الفردي فهناك مشهد لافت إذ شهدنا في السنوات الأخيرة وفرة في المطبوع الثقافي والادبي من خلال طباعة الكتب وإقامة النشاطات التشكيليّة، وهذا ناتج عن رغبة وإصرار من المثقف لمواجهة التحديات ونشر الوعي المجتمعي.  التفاعل الميداني مع النوافذ الثقافية تكاد تكون مؤشراته ضعيفة عامة في العراق والعالم بعد سيادة شبكة الانترنيت وتفوقها عبر إتاحة المعلومة وسرعة وصولها الى المتلقي فأصبح التعاطي مع الملتقيات والفعاليات الثقافية والادبية ليس مثلما كان سابقا.. كما أن البنى التحتية للمؤسسات الثقافية تكاد تشكل عائقا أمام ديمومة المشهد ثقافي إذ لم نلمس أو نقرأ في خطط الحكومات المتعاقبة سعيا حقيقيا وملموسا لبناء مقار أو مسارح أو قاعات تحتضن المؤسسات الثقافية والأدبية والفنية، بل هناك ضعف بالتواصل مع هكذا واجهات ثقافية التي يفترض أن يكون لها دور مهم في تعزيز بناء الدولة ونشر الوعي المجتمعي الذي يسهم في إبراز الوجه الحضاري المشرق للعراق، مثلا لم اسمع يوما أن وزيرا للثقافة أو مسؤولا كبيرا فيها على مر الحكومات المتعاقبة قد زار محافظة ما وطلب أن يلتقي بمثقفيها وأدبائها أو فنانينها لمعرفة ما يحتاجونه ومناقشتهم في الأمور الثقافية التي تدعم وزارته ومن ثمَّ تعزيز نجاح حكومته.  وقال البناي أيضا: كانت المؤسسة الثقافية سابقا ذات اتجاه واحد، ناهيك عن العوز المادي للمثقف والأديب. كما ان عظمة الأحداث والتحديات والحروب التي مرت على العراق في الفترات السابقة قد سلبت ذات المثقف العراقي وقدرته على مقاومة الخراب الذي جلبته الحروب على المجتمع تلك القدرة التي كانت مرهونة بالفسحة التي تمنحها الأحداث لممكنات المثقف التي تنطلق دائما بعد فسحة الاطمئنان على حياة الذات الإنسانية، لذلك اليوم نحن نتطلع الى رؤية مناخ إيجابي وفاعل يتمكن المثقف من خلاله الإسهام في بناء مجتمع واع ومثقف ومدرك لأهمية التعاطي مع المتغيرات التي تحدث بالعالم وضرورة ملاحقتها بما نمتلكه من إرث حضاري واسماء مهمة لها الريادة في صناعة الوعي.  

من جانب اتحاد الأدباء في كربلاء نسعى الى ديمومة المشهد الثقافي والأدبي في المحافظة عبر إقامة النشاطات كالأمسيات الاحتفائية برموزنا الادبية من الرواد والاحتفاء بالكتب الصادرة والجوائز وتفعيل المشغل النقدي وتقديم المحاضرات التي تخص السرد والشعر والفنون المسرحية والتشكيلية والفنون الأخرى فضلا عن اقامة المهرجانات وخاصة تلك التي تختص بالشعر الحسيني ونطمح بل ونحرص على استقطاب الطاقات الشابة والاهتمام بالأدب النسوي فضلا عن التواصل مع جميع الفعاليات الثقافية في المحافظة واستضافة الأسماء الإبداعية من محافظاتنا العزيزة كما أن الهيئة الإدارية وضعت برنامجا متكاملا لجدولة النشاطات لتغطي كل الجوانب

المعرفية.


تنوع ثقافي وأدبي

الشاعر كفاح وتوت، تحدث عن تميز مدينة كربلاء بالتنوع الثقافي والأدبي كونها تستقطب الملايين من العالم بشتى انتماءاتهم العرقية والثقافية ولها تأثير كبير على تنوير العقل الإنساني بما أفرزته واقعة الطف من قيم وأفكار ومفاهيم وسلوكيات اجتماعية عقائديّة رسّخت ميزات وخصائص ثقافيّة معينة ضمن التنوع الذي تميزت به المدينة.

  وأضاف وتوت مبينا: وهنا لا بدَّ من إلقاء نظرة على فترة مهمة واكبتها أنا في أواخر الستينات والسبعينات والثمانينات وصولا الى التسعينات حيث كانت الحركة الثقافيّة تتخذ أشكالا متعددة في أنشطتها المختلفة في الأدب والفن وبروز شخصيات أدبية وفنية متنوعة أسست لمرحلة ثقافية ذات معالم وخصائص جعلت الثقافة في كربلاء تأخذ مداها على مستوى الوطن. وفي تلك الفترة    كانت  مراكز الشباب ودور الثقافة الجماهيريّة لها دور أيضا في تنشيط الحركة الأدبية والمسرحية والتشكيلية، فضلا عن فرقة مسرح كربلاء الفني حيث أنجزت العديد من الأعمال المسرحية المهمة. كذلك كان هنالك فرقة موسيقية مهمة وجمهور مثقف وواع يتابع ويهتم بالأعمال المسرحية والأنشطة الثقافية الأخرى لجودتها وأهميتها. وكذلك كان لتأسيس منتدى الأدباء الشباب  دور في إظهار العديد من الأدباء الرائعين.

وبعد تأسيس فرع كربلاء لاتحاد الأدباء والكتاب أخذ على عاتقه تنشيط الواقع الثقافي وقدم أماسيَ مهمة في كل دوراته، ومن المفرح جداً في الفترة الحالية أن يكون للمرأة دور مهم في نشاطها الثقافي حيث تأسس في الاتحاد منتدى الأدب النسوي الذي ضم مجموعة مبدعة من الأديبات اللواتي حصلن على عدد من الجوائز في مسابقات عديدة.

أعتقد أن الواقع الثقافي في كربلاء يسير الى حد ما باتجاهات متعددة فمن جانب نشاطات العتبات المقدسة والمهرجانات والمؤتمرات التي تقيمها في شتى الجوانب الثقافية والدينية  والفنية والاجتماعية ومن جانب آخر المؤسسات الثقافية الأخرى ومنها الشبابيّة وهذه الأنشطة حتما تحتاج الى الدعم المادي والمعنوي والبنى التحتيّة من مقار ومسارح وصالات لإقامة مهرجانات شعرية ومسرحية ومعارض تشكيلية وكذلك إقامة مهرجانات ومؤتمرات خاصة بالأدب النسوي لإظهار مكانة المرأة ودورها الكبير والمؤثر في المجتمع وأيضا إقامة مسابقات أدبيّة دوليّة وطبع مؤلفات الأدباء من قبل اتحاد الادباء بعد توفر الإمكانيات المادية بالدرجة الأولى. 


أدباء بابل من دون مقر 

الشاعر أحمد الحلي، يعتقد أنّ المشهد الثقافي في بابل منكفئ ويمشي على عكازين على حدِّ وصفه، على الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها رئيس الاتحاد الحالي الشاعر الشاب أنمار مردان ومن بمعيته من أعضاء الهيئة الإدارية. وأشار الحلي إلى أن السبب الأساس في ذلك هو عدم وجود مقر ثابت للاتحاد، الأمر الذي أدى إلى أن يقيم الاتحاد فعالياته وأنشطته الثقافية في أمكنة أخرى مثل البيت الثقافي في بابل أو نقابة المهندسين حالياً، لافتا إلى مرور الثقافة في العراق بأزمة حقيقيّة في ظل هيمنة الأحزاب الدينيّة على مقدرات الدولة.

وأضاف بقوله: كما نعلم فإنّ لدى بعض هذه الأحزاب وقادتها مواقف مناهضة من الثقافة وهم يحاولون جهدهم تهميش وتحجيم دور المثقف ولكنهم يلاقون صعوبة في ذلك، ذلك أن المثقف لا يمكن احتواؤه بسهولة فهو لديه القدرة الكبيرة على الإفلات من قبضة الطغيان والتوجهات المستبدة، كما أن جيلا أو جيلين من الشبان الجدد المستلبين من أبسط مقومات الحياة قد دخلا المعترك بقوة على خلفية تأثير زلزال انتفاضة تشرين الباسلة، وهما غير مستعدين للانصياع إلى طروحات الأحزاب الحاكمة، وبطبيعة الحال فإن طموحهما وتطلعاتهما ستجدان أرضية مشتركة مع الهم الثقافي.

أما عن الدعم المادي الذي تقدمه الدولة لاتحاد أدباء بابل فهو محدود ومحدود جدا ولا يتناسب مع مدينة تتمتع بكل هذا الإرث الثقافي المهم كبابل كونها البؤرة الأساسية للإشعاع الفكري والأدبي والفني في منطقة الفرات الأوسط، نظرا لما يتمتع به موقعها الجغرافي المميز من أهمية جعلت المدينة مثابة ومتنفسا لأهالي المدن المحيطة بها والتي تتسم بطابعها المتدين المتشدد. 


مشروع ثقافي عراقي شامل

الشاعر ستار زكم قال: بابل من المحافظات التي تمتلك ما يؤهلها لتكون في صدارة المدن العراقية الاخرى من حيث النهوض بواقعها الثقافي والفني سريعا، اذا ما تم تقديم الدعم اللازم لها. فالمدينة راسخة بالعمق العلمي والتراثي والتاريخي فضلا عن موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي أعطاها التواصل مع مدن مجاورة معينة. 

حتى أن المواطن الحلي يعد من الشخصيات المنفتحة التي تؤمن بالثقافات والفنون المتعددة فهو شخصية بناءة وطموحة وفاعلة، وعلى الرغم من التدهور الحاصل في المدينة إلا أن هناك إصرارا فاعلا من قبل المثقف الحلي على تقديم نشاطه الفكري والفني والثقافي، لكن الحديث عن مشروع ثقافي وفني في المدينة يحتاج ايضا الى أن نتطرّق الى جوانب اوسع واشمل من ان نتحدث عن بناية معينة او قاعة لفنون معينة او ما شابه ذلك، ان النهوض بواقع الثقافة والفن لا يصح الحديث عنه لمدينة معينة من دون سواها بالعراق، فالحاجة هنا الى مشروع ثقافي شامل يؤمن متطلبات النشاط والانتاج والجمال ويؤسس لفكرة الحوار الإنساني البناء، وكذلك تشذيب الطارئ واحتضان الأساسي بعيدا عن الفوضوية والفئوية الضيقة. 

اذا ما اردنا ان نتحدث عن تلك المشاريع الكبيرة لا بدّ لنا ان نقارن هذه الفكرة بالدول الكبرى التي انشأت العديد من المشاريع الثقافية الواسعة في بلدانها، وهذا يتطلب وجود استقرار سياسي واقتصادي في البلد فلا يمكن ان نتحدث عن وجود او تأسيس مشاريع ثقافية وفنية بعيداً عن التأثيرات السياسيّة والاقتصاديّة.