التكنولوجيا الحديثة وأثرها في الانتخابات العراقيَّة
القاضي قاسم العبودي
سنتناول تحت هذا العنوان تأثير استخدامات التكنولوجيا الحديثة في العمليَّة الانتخابيَّة من خلال بعض النماذج الديمقراطيَّة في العالم، ثم نفصل تأثير ذلك الاستخدام في الانتخابات العراقية.
- مزايا وعيوب التصويت الالكتروني
يرتبطُ استعمال التكنولوجيا الحديثة، لا سيما التصويت الالكتروني، باستقرار النظام السياسي وثقة الناخبين والأحزاب بالعمليَّة الانتخابيَّة وإدارتها، إذ يؤيد كلٌ من اووستفين وفاندين بيسيلار، وهما من خبراء التصويت الالكتروني، هذا الاستنتاج بقولهما (على أيَّة حال يسلم مختصو التكنولوجيا بحقيقة أنَّ تقنيات الأمن هي تقنيات اجتماعيَّة أساسيَّة وأنَّ للثقة أهميَّة بالغة ولم يعد الناس يؤمنون إيماناً أعمى بالموضوعيَّة العلميَّة والخبراء).
وقد قضت محكمة مختصة في الهند بأنَّ الآلات المستعملة هناك في عمليَّة التصويت الالكتروني لا يمكن التلاعب بها، ويرى خبير التصويت الالكتروني النرويجي كاري فولان الذي التقيته في أوسلو عام 2011 (أنَّ من المحتمل أنْ يكون هذا القرار مستنداً على الافتراض بأنَّ مفوض الانتخابات يحمي سلامة العمليَّة وليس في نواياه إبدال آليات بآخرى متلاعب بها).
ومن أهم مبررات استخدام التصويت الالكتروني ومزاياه هي:
• الإسراع بإعلان النتائج.
• منع عمليات التزوير التي تحدث أثناء عمليات العد، سواء بالابطال أو الحشو.
• إنَّ التصويت الالكتروني قد يزيد من نسبة الإقبال على الاقتراع، لا سيما في المجتمعات المتقدمة التي يجري فيها استعمال الحاسوب بشكلٍ كبيرٍ وواسع.
• يساعدُ في تصويت المواطنين القاطنين في الخارج من دون حاجة الى إجراء تصويتٍ خاصٍ أو مبكرٍ لهم، وكذلك بالنسبة لفئاتٍ أخرى مشمولة بأنواع التصويت الخاص والمشروط.
• يوفر مناخاً لاستعمال أنظمة انتخابيَّة أكثر مرونة، وخيارات متعددة للناخبين، كما يساعد في إتمام العمليَّة الانتخابيَّة بكفاءة وبإطلاق النتائج بسرعة قياسيَّة، على الرغم من تعقيدات المنظومة الانتخابيَّة من حيث النظام وآليَّة التصويت، وقد أصبح من الواضح أنَّه لا يمكن التخلي عن التصويت الالكتروني، خاصة في ما يتعلق بعمليات العد.
• يشتمل التصويت الالكتروني على آليات وإجراءات متطورة؛ مثل الإجراءات البايومتريَّة والتي يقصد بها بصمة الناخب، إذ توجد أجهزة متطورة للتعرف على بصمة إبهام الناخب تلقائياً أو باستعمال عنصر التوثق المتعدد (البطاقة الذكيَّة ورقم التعريف الشخصي)، الأمر الذي يمنع حالات التصويت المتكرر.
• تقليل الاعتماد على موظفي الاقتراع وكذلك الأمور اللوجستيَّة الأخرى التي يتطلبها التصويت الورقي.
أما مخاطر وعيوب التصويت الالكتروني، فممَّا لا شك فيه أنَّ استعمال التكنولوجيا الحديثة في الانتخابات مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالبيئة الانتخابيَّة ويشمل ذلك العوامل الأساسيَّة لتلك البيئة وهي البنى التحتيَّة (كوجود طاقة كهربائيَّة مستقرة) ودرجة التقدم التقني التي تعتمد على العامل الاقتصادي، إذ يحتاج استعمال التصويت الالكتروني الى ميزانيَّة كبيرة جداً؛ وذلك بسبب الكلفة الباهظة لتلك الأجهزة بما في ذلك توافر وسائل الأمن الالكتروني، والملاكات المؤهلة والثقافة الالكترونيَّة لدى الناخبين، فضلاً عن الثقة بالنظام السياسي، وعادة ما لا تتوافر هذه العناصر في المجتمعات المنقسمة وفي الديمقراطيات الحديثة، فقد أثار استعمال النظام الالكتروني لعمليَّة جمع الأصوات وتوزيع المقاعد في مركز الإدخال (التالي سنتر) جدلاً في كل الانتخابات التي جرت في العراق بعد العام 2003، وأيضاً كان سبباً لاستجواب المفوضيَّة أمام مجلس النواب العراقي في أكثر من مناسبة.
ويمكن أنْ نلخصَ أهم مساوئ التصويت الالكتروني بالآتي:
1. احتمال فشل المنظومة الالكترونيَّة أو حدوث أخطاء في تصميم البرنامج أو ضعف إدارته، إذ إنَّ إدارة البرنامج ومعالجة الخلل فيه لا تقل أهميَّة عن تصميمه، وقد حدث مثل هذا الخطأ في انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 عندما حصل المرشحون في التسلسل 39 في قوائم الأحزاب في بغداد على (صفر) بسبب خطأ في النظام، على الرغم من أنَّ أصواتهم محسوبة وموجودة ضمن استمارات النتائج الورقيَّة، علماً أنَّ أياً من هؤلاء المرشحين لم تكن لديه أصواتٌ تؤهله للحصول على مقعد.
وهنا لا بُدَّ من الإشارة أيضاً الى صعوبة إجراء مضاهاة أو مقارنة في حال الفشل أو الخلل عند تبني نظام التصويت الالكتروني بشكلٍ كاملٍ، بينما تتوافر هذه الإمكانيات في التصويت الورقي.
يمكن أنْ تطلب الجهات المشرفة على الانتخابات تزويد أجهزة التصويت الالكترونيَّة بطابعات كي يرى الناخب ورقة مطبوعة أمامه لكي يتحقق من صحة اختياره وبالتالي إمكان المظاهاة والمقارنة بها وهذا ما تمَّ العمل به فعلاً في الانتخابات الأميركيَّة بعد الأزمة التي تسبب بها التصويت الالكتررني في ولاية فلوريدا عام 2000 في الانتخابات التي تنافس بها بوش الابن والمرشح الديمقراطي الكور.
2. احتماليَّة تعرض النظام الالكتروني لعمليات القرصنة من الخارج، وقد ذكر لنا السادة أعضاء اللجنة المركزيَّة للانتخابات الروسيَّة، في إحدى زياراتنا الميدانيَّة، بأنَّ نظامهم الالكتروني قد تعرض لمئات المحاولات من القرصنة معظمها كان مصدره أوروبا.
وقد أثبتت التجارب التي أجريت لاختبار تقنيات الأمان للنظام الالكتروني، سهولة اختراقه وتغيير مفاتيح الدخول السريَّة.
3. انعدام الشفافيَّة، إذ يجمع المتخصصون على أنَّ التصويت الالكتروني أقل شفافيَّة من نظام الاقتراع الورقي، ذلك أنَّ الأخير يجري تحت أعين المراقبين ابتداءً من تصدير ورقة الاقتراع وإدلاء الناخب بصوته، وانتهاءً بعدِّ الأصوات وإعلان النتائج، بعكس التصويت الالكتروني الذي لا يمكن مراقبة خطواته البرمجيَّة، وقد أصدرت المحكمة الدستوريَّة في ألمانيا عام 2009 قراراً يقضي بضرورة أنْ يكون التحقق من النتائج متاحاً لجميع المواطنين من دون حاجة معمقة وأنَّ أجهزة الحاسوب من نوع (NEDAP) التي كانت مستعملة حتى تاريخه في الانتخابات الالمانيَّة لم تلبِ تلك المتطلبات.
4. هناك احتماليَّة كبيرة للتصويت بالنيابة، خاصة التصويت الأسري، إذ يملك ربُّ الأسرة - في بعض الأحيان - البطاقات الالكترونيَّة الخاصة بالأسرة، كذلك قد يخضع التصويت الالكتروني لعمليات الإكراه والتخويف والضغوط، وقد كشفت المصادر في الانتخابات المحلية التي جرت في انكلترا عام 2004 عن أنَّ ذلك قد حدث في أحياءٍ من مدينة برمنكهام، حيث سيطر قادة الجماعات المهاجرة على بطاقات الأسر والتصويت نيابة عنهم.
إنَّ هذه الأسباب وغيرها أدت الى تزايد الانتقادت الموجهة للتصويت الالكتروني ومعارضته بشدة من كثيرٍ من المتخصصين، الأمر الذي دفع بعض الدول الى الرجوع عن استخدامه مثل هولندا وايرلندا والمانيا منذ العام 2008، علاوة على ما حدث عام 2000 في انتخابات الرئاسة الأميركيَّة على وجه التحديد في ولاية فلوريدا، إذ فشلت الآلات الالكترونيَّة في قراءة عددٍ كبيرٍ من أصوات الناخبين.