سيف الكرعاوي
قيلَ قديماً إن السؤال مفتاح المعرفة، وهو أمرٌ لا بُد منه للتواصل أو معرفة أحوال الآخرين وعلومهم، إلا أنَّ الأمر اختلف عندما زرت عمان عاصمة الأردن مؤخراً، فالسؤال الذي كان يسألني إياه العرب في العام 2012 عندما كنا متوجهين الى فلسطين، لا زال يشغل بالهم الى الآن «هل لا تزال الطائفيَّة في العراق؟».
سؤالٌ يحمل في أطرافه مسؤوليَّة من سوق الموضوع الى فترات قريبة، وتداعيات الأحداث التي مرَّ بها العراق في أوقاتٍ سابقة، إلا أنَّ كل مبادرات التعايش والانسجام والفعاليات الفنيَّة والثقافيَّة والدينيَّة والاجتماعيَّة، ربما لم تصل الى العرب الى اليوم.
حوارٌ دارَ مع مجموعة صحفيين عرب، كنا نشكل فيه 14 دولة عربيَّة، اجتمعنا للحديث عن دور الصحافة في بناء السلام والحوار بين الأديان تحت مظلة زمالة «كايسيد» في نسختها الثانية، السؤال الذي يُرهق كلما سألني أحدٌ به، كنت أفكر به بصوتٍ عالٍ «لماذا يردد العرب هذا السؤال» وما هي الفترة الزمنيَّة التي نحتاجها لتجنب هذه الصورة النمطيَّة التي رسمت، على بلدٍ تمتد حضارته الى آلاف السنين قبل الميلاد، يرمز له بالكرم والجود، مهبط الرسل والديانات، في ظل هذا التطور التقني الحديث في وسائل الإعلام الجديد، وانعدام الحدود بين المستخدمين.
يستغرب العرب أيضاً من موضوع «الزواجات» بين أبناء الديانة الواحدة باختلاف مذاهبهم، إلا أنْ روى لهم زميلي العراقي «نكتة» من أيام الأحداث الطائفيَّة في العراق، عندما اشتد الخناق في بعض مناطق العراق، وكان والداه «مختلفين بالمذهب متحدين بالدين»، يقول ساخراً بلهجة عراقيَّة «جنت محتار بين اروح لخوالي او عمامي»، في إشارة ساخرة، إنَّ قبل الاقتتال الطائفي وبعده حتى مسألة الارتباط بين المذاهب أمرٌ شائعٌ في العراق، وقد تجد مثله الكثير، ويتجه الأبناء أحياناً لمذاهب آبائهم أو أمهاتهم.
ربما لو تجردنا من العواطف قليلاً لوجدنا مجموعة من الأجوبة الجوهريَّة لتلك التساؤلات، لا سيما بما بثته وسائل الإعلام العربيَّة في تلك الفترات، وما عملت عليه نظيراتها العراقيَّة أيضاً بكل احترافيَّة.
الغريب في الأمر أنَّ من شاركني في هذه الزمالة 4 صحفيين وصحفيات من العراق، كنت أجهل ديانتهم أو مذهبهم، رغم تواصلنا المستمر المسبق من أجل المشاركة في الورش التدريبيَّة، وعندما يتمُّ سؤالي عن انتمائهم المذهبي أو الديني أاجيب دائماً «والله ما ادري».
صراعات أهلكت في وقتٍ سابقٍ أبناء هذا البلد، أدركوا في وقتٍ لاحقٍ أنَّ من يشعلها «سياسيون منتفعون» أو «رجال بيع الدين» يكسبون من وراء إضرام تلك الحروب، أو دولٌ أرادت أنْ يبقى العراق تابعاً لها ولا يحقق استقلاله التام.قيلَ قديماً إن السؤال مفتاح المعرفة، وهو أمرٌ لا بُد منه للتواصل أو معرفة أحوال الآخرين وعلومهم، إلا أنَّ الأمر اختلف عندما زرت عمان عاصمة الأردن مؤخراً، فالسؤال الذي كان يسألني إياه العرب في العام 2012 عندما كنا متوجهين الى فلسطين، لا زال يشغل بالهم الى الآن «هل لا تزال الطائفيَّة في العراق؟».
فيا اخوتي العرب، دعوني أجزم لكم أنَّ الأمر ليس كما يصور إليكم، ويمكنكم أنْ تؤدوا طقوسكم الدينيَّة في المكان الذي ترونه مناسباً لمجرد زيارتكم العراق، لأننا أدركنا في وقتٍ لاحقٍ أنَّ «نار الطائفيَّة»، إذا ما عادت فإنَّها «لن تبقي أحداً» وقد تحول «دجلة والفرات» الى «حمامات دم»، وأنَّ الأطراف التي رغبت بهذا البلد شراً، لم تكن تعمل على إذكاء فتنٍ طائفيَّة بين الدين الواحد، بل عملت على تأجيجها ضد ديانات مختلفة يعجز المقال عن ذكرها جميعاً، لأنَّ هذا البلد قد امتاز عن غيره بتنوع الأديان والمذاهب والقوميات.