الفاسد يبني والصالح يهدم

آراء 2023/08/20
...

 محمود خوشناو

 أكثر ما يشغل المواطن في ما يسمى دول العالم الثالث هو الفساد، ويبدو أنه اصبح مادة مهمة يستثمر في تحييد هذا وذاك دون مواجهة حقيقيَّة ومحاولة جديَّة لمناهضته ومكافحته بوسائل تفضي الى تجفيف منابعه ومقاضاة فواعله دون التفكير بالنتائج المترتبة على ذلك. وبما أننا نتكلم عن الفساد لا بُد أن نعرج على الملف السياسي والأمني، لأن للفساد شبكة انتفاع داخليَّة وخارجيَّة، والقليل منه مالي واقتصادي، والكثير سياسي وأمني

فخلال السنوات الأخيرة تبين جلياً بأنَّ دولاً وأطرافاً متعددة ترغب في استنزاف العراق بشرياً واقتصادياً، وإنعاش بؤر الفساد فيه كنافذة رئيسيَّة للاستنزاف معتقدةً بذلك أنها تضمن سلامة أمنها القومي على المدى البعيد.

إذاً الفساد أصبح جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيَّة النشاط المعادي الذي انتشر بسرعة وعشش في مفاصل الدولة وتجذر في رؤية البعض، الأمر الذي أدى الى تغيير مسميات وتوصيفات اعتدنا عليها في العراق، على سبيل المثال لا الحصر (محتال = سبع)، (منافق = شاطر).

هذه التغييرات إنْ دلَّت على شيء فهي تدلُّ على تغييرٍ اجتماعي سلبي وولادة جيلٍ متأثرٍ بالنشاط المعادي الذي ما زال يعتقد بأنَّ النافذة المؤثرة في القرار السياسي هي نافذة المجتمع وكيفيَّة استدراج الأفراد لتبني مفاهيم وتوصيفات جديدة تتناقض مع جيل الآباء والأجداد.

الخوض بدقة وموضوعيَّة في ملف الفساد يُبعدنا عن المال وكيفيَّة الحصول عليه بطرقٍ غير مشروعة، وينتقل بنا الى الجانب السياسي والأمني وبالتحديد تطويق الخيرين والإفراج المرح للأشرار بتشكيل ردهات (لوبي) تدعم الفاسدين وتطارد المصلحين بعناوين مختلفة، ومن لا يستسلم للتوجهات الشريرة سيرى نفسه وحيداً في أحسن الأحوال وفي أسوئها تكون المقبرة مثواه الأخير.

اعتدنا أنْ نصفَ الفاسدين بسراق المال العام حصراً، وهذا بحد ذاته من صناعة الفاسدين وصناع النشاط المعادي، والهدف منه تأخير الصحوة الوطنيَّة لفهم حقيقة الفساد. ويعتقدون بأنَّ ضعف العراق بما ذلك إقليم كردستان يبقيهم أقوياءً وأسياداً.

المفرح أنَّنا خلال السنوات القليلة الماضية استشعرنا بصحوة وطنيَّة تفهمت مخاطر الفساد الحقيقيَّة وتبنت الحكومة خطوات أكثر جديَّة لمناهضته رغم التحديات والضغوطات الكبيرة، وقدمت مشاريع قوانين مهمة في هذا المسار، إذ قام رئيس الجمهوريَّة السابق الدكتور برهم صالح بتقديم مشروع قانون استرداد عائدات الفساد الى مجلس النواب العراقي بغية إقراره، ووصفه «بالآفة الخطيرة». حقيقة إنه آفة خطيرة، ولا تقدر خطورته إلا بدراسة مجدية للآثار السلبيَّة التي خلفته والتي ذكرنا جزءاً مهماً منها مبتعدين عن الأوصاف السطحيَّة المصطنعة، هذه الآفة نخرت جسد الدولة، ومزقت النسيج الاجتماعي وما زالت المحاولات مستمرة لعرقلة الجهود الرامية لمكافحتها.

نعتقد أنَّ قِوى الخير ستنتصر عاجلاً أم آجلاً بمؤازرة الخيرين، من دون الاعتكاز على الآمال والانجرار خلف الشعارات المزيفة، فالفاسد يبني عَرشَهُ فوق مآسي الفقراء والمغفلين، ولا خيار للصالحين سوى هدم عرش الفاسدين، ولا يجوز أنْ نقبلَ باهتزاز عروشهم فقط، فتمثال الفساد أصبح آلهةً تُعبد، وعقل الإصلاح لا يقبل بذلك حتى وإنْ كان طريقهم غير مُعبَّد، فزوال الفاسدين يبدأ من فهم خطورة وجودهم والشجاعة في فضحهم ومواجهتهم حتى النهاية، وهنا تكمن مسؤوليَّة الدولة بدعم ومساندة التوجهات الإصلاحيَّة بغض النظر عن انتسابهم الديني والعرقي والمذهبي وحتى السياسي، هناك مؤشرات إيجابيَّة مشجعة لخطوات السلطات في العراق لمواجهة الفساد رغم التحديات الكبيرة التي تواجههم، نعم ليس بمستوى الطموح لكنَّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. الدعم الشعبي والتعويل على مؤازرته يفضي بتراجع نسب الفساد وإبعاد الفاسدين وتجفيف منابعهم.

أخيراً، نجزم بأنَّ الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة، وطباعة هذه العملة تكون في مبنى النشاط المعادي.