حمزة مصطفى
لا توجد دلالات أو معان واضحة، محددة لكل من مفردتي "الطشة" و"الطفكة"، التي باتت شغل النخب وعموم المجتمع الشاغل هذه الأيام.
هاتان المفردتان وبالذات "الطشة"، التي هي نتاج "الطفكة" في كثير من الأحيان وتعني أيضا الخفة تهيمن على مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، وبشتى الطرق والأساليب والممارسات إلى حد القرف أحيانا.
أقرب الدلالات في اللغة لكلتا المفردتين هي البحث عن الشهرة بأية وسيلة للأولى، والإستعجال للثانية.
وفي ما يبدو أن الطشة مفردة جديدة من حيث الاستخدام والتوظيف، فإن للطفكة أكثر من معنى أو دلالة حسب المناطق.
ففي ما يوصف من يتسرع بإصدار الأحكام دون تروٍ في المحافظات الوسطى والجنوبية بأن به "طفكة" بضم الطاء، فإن التسمية المناسبة لهذا النوع من المستعجلين، الخفاف في معظم المناطق الغربية هي "السبيج" وهي تعني من يسبقك بالكلام دون أن يدرك ما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات.
وربما يصل به الأمر إلى حد وضع نفسه في مواقف في غاية الصعوبة وحتى الخطورة لايفيد معها في ما بعد التراجع والإعتذار.
قد يبدو أن شيوع مثل هذه المفردات وانتشارها الواسع تنويع على ما يسميه الكاتب الكندي الان دونو "نظام التفاهة"، الذي يعم العالم أجمع اليوم، بيد أن ثمة فروقات بين المفهوم الواسع لنظام التفاهة مثلما يراه دونو، وبين ما يمكن أن نضعه في خانة "الرقاعة" في ما يتعلق ببعض مظاهر السلوك المرفوض قيميا وأخلاقيا واجتماعيا.
وإذا أردنا توضيح الفرق بين "التافه" و"الرقيع" فإن التفاهة سلوك اجتماعي، يمكن أن ينفر منه الناس حيال شخص قد يبدو مرتبا ومهندما، وربما يحتل موقعا رسميا أو اجتماعيا، لكنه لا يملك ما يكفي من لياقات للتعامل مع الناس، سواء المحيطون به أو حتى من يواجههم أو يواجهونه بمحض الصدفة، بحيث يكتشفون "تفاهته" عند الاحتكاك المباشر به.
أما "الرقيع" فهو الشخص الذي لا يعرف كما نقول في المثل الشعبي "طعم حلكه" حين يتكلم أو يتصرف.
فهو يتكلم حيث يتطلب الموقف السكوت، ويضحك في مواقف الحزن، أو يروي النكتة تلو الأخرى ولا يضحك عليها سواه، فضلا عن ممارسات أخرى منفرة لا يجد فيها الناس القدر المقبول من اللياقة والمستوى المطلوب من الرزانة والكياسة.
عندما نريد البحث عن أمثلة عن كل هذه المظاهر السلوكية سواء كانت "طشة أم طفكة، أم تفاهة أم رقاعة" فلسنا بحاجة إلى عمل بحث مضن أوطويل أو معقد، قد نحتاج لكي ننجزه الإستعانة بأصدقاء ومراجع بل يكفي أن تفتح تلفونك كل نصف ساعة على الأقل لتكتشف أنك أمام حالات وحالات ونماذج لا يمكنك أحيانا سوى التعاطف معها على ما وصلته من إسفاف وإنحدار وخفة لا لشيء، إلا أنها بحاجة إلى "طشة".
يحصل ذلك كثيرا في الفيسبوك وانتقلت العدوى إلى تويتر والى كل ميادين مواقع التواصل الاجتماعي، بمن في ذلك تصوير مقاطع الفيديو.
المفارقة أن هناك من يجد في كثرة الإعجابات واللايكات، التي ينالها معيارا لما بات يتمتع به من شهرة لنشره، إما بوستات لا معنى لها، أو مقاطع فيديوية في مناسبات لا تخصه إلا هو.
المشكلة الأكبر إننا بتنا نواجه مظاهر من هذا النوع في مؤسسات لا يزال الناس ينظرون اليها بقدسية مثل بعض ما حصل مؤخرا في وزارتي الدفاع والداخلية.
فالطشة والطفكة ومترادفاتهما قد تأتي بنتائج معكوسة مهما كانت الدوافع بريئة والنوايا.. ساذجة.