العامل الشخصي واحتلال الكويت

آراء 2023/08/21
...

  عبدالله حميد العتابي

فتح احتلال صدام لدولة الكويت في الثاني من آب 1990 أبوابا من الجحيم على العراق والعراقيين، ما زلنا نعيش آثارها المدمرة لغاية يومنا هذا، وادخل صدام العراق بنفق مظلم ليس له قرار منذ ذلك اليوم المشؤوم، كتب الكثير عن أسباب تلك الخطوة العبثية التي اختصرتها سفيرة الولايات المتحدة الامريكية بالقول: {لقد كنا حمقى لأننا لم ندرك أن صدام بهذه الحماقة}، فهل كان صدام أحمق فعلا؟ ام شخصا غير سوي جلبته الاقدار ليجثم على صدر هذا الشعب المسكين (35) عاما.

للاجابة عن تلك التساؤلات لا بدًّ من التوقف عند سيرة هذا الدكتاتور.
ولد صدام بعد وفاة والده وزواج والدته من شخص يدعى إبراهيم، فتميزت نشأته المبكرة بالتوتر وعدم الاستقرار والإحساس بالرفض من سلطة الأب البديلة، والنبذ من الأطفال الآخرين "الأقران" نتيجة لوضعه في هذه العائلة غير المتزنة، فتكون لديه إثر ذلك انعدام خُلقي "ضعف الضمير"، وكذلك قطع للجذور وصعوبة الاندماج في البنية الاجتماعية وتآلف مع العنف، وهذه خصائص أدت بطبيعة الحال إلى عجزه عن إتباع معايير المجتمع وميله إلى العدوان أسلوبا للتعامل مع الغير، كما أن دخوله المدرسة الابتدائية بسن متأخرة نسبيا (10 سنوات) ودوامه غير المنظم فيها بسبب طرده من البيت أو فراره منه، كما أن مراهقته غير الاعتيادية في غياب الأب واضطراب الأسرة وانعدام التكافل والتعايش، وعدم وجود الجماعة أخلت كثيرا بنظامه القيمي، فكانت تصرفاته مثار تهكم وسخرية الشباب من الأقران في القرية، حتى تسببت في دفعه لأن يتعلم أساليب التحايل والابتزاز للحصول على ما يكفيه للعيش، وكذلك استخدام العنف لحماية الوجود والدفاع عن النفس.
بعد فترة مراهقته انسلخ صدام من عائلة أمه تماما، وبدأ مشواره الجديد في بغداد مع خاله خير الله طلفاح، المعروف بميوله النازية والعنصرية، والطائفية، وبعدم نزاهته فتعلم على يديه دروسا مضافة في القتل والبطش والتعصب والمناورة والتزوير كأدوات استعملها بشكل دقيق للوصول إلى غاياته وفي المحافظة عليها.
وفي بغداد وخلال المد الناصري منتصف الخمسينيات، والصراع القومي الشيوعي، ولد صدام سياسيا، ولعل تاثيرات خير الله طلفاح غير بعيدة عن رسم توجهاته، وبدأ مشواره هذا صعودا سريعا منذ مشاركته في عملية اغتيال رئيس الوزراء العراقي الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1961، ليتسلم بعدها مسؤولية جهاز حنين المعروف بمسؤوليته الأمنية والاستخبارية لحزب البعث العراقي حتى عام 1968، ومن بعدها مهام أمن الثورة والحزب حتى عام 1979 وقت انقلابه على البكر وتسلمه السلطة في الموقع الأول للدولة والحزب رسميا.
وبعد تسنمه القيادة عاش صدام هاجس المؤامرة.
مارس الحكم عبر التهويل السياسي والأساطير المضخمة موحيا بحلم الدولة العربية التي ستستعيد أمجادها السابقة حتما....... تلك الوحدة التي ينبغي أن تكون تحت قيادته وأن تبدأ بالعراق.
الوحدة التي لا تعتمد كثيرا على خيار الشعب، بل على تراكم الثروة الكافية لفرضها فرضا عبر شكل من أشكال الاقتصاد الرأسمالي.
وعلى اية حال فبعد هذا العرض المتواضع لحياته، فان الخصائص الشخصية لصدام حسين التي دفعت إلى قرار الحرب يمكن إجمالها بالآتي: النرجسية والشعور بالعظمة، والسعي لتعويض الإحساس بالدونية من خلال التركيز على الأمجاد الماضية وتكوين أخرى حاضرة.
كما إنه يميل إلى التشبه بالقادة العظام، ويرى أن أسطورته كقائد عظيم تتواصل بنشاط سلطته في كل مكان، وإلى جانب هوية أعطاها لنفسه كقائد عسكري، أتاحت له وبرغبة منه الحصول على عشرات الألقاب الرسمية وفي سياق متصل، عاش الشك، والوهم، وعدم الاطمئنان أو الوثوق بأحد، وكذلك الحذر والتوجس والارتياب.
عدم الاتعاظ أو الاعتراف بالخطأ، والإيمان بأن الغاية تبرر الوسيلة.
وكان الميل إلى الانتقام والتخلص من المنافسين الفعليين، والمحتملين عن طريق التهم والتلفيق والاغتيال.، ابرز سمات شخصيته.
ومن المعتقد أن المعاناة من عقدة الانتساب إلى الأب أو شرعية الانتساب إليه، جعلته شخصا غير سوي.
وكان صدام معروفا بإيغاله حد الولع بسياسة إثارة النزاع والتنافس واستخدام القسوة التامة عند اللزوم.
زد على ذلك، الحنث بالعهود بسهولة تتناسب وسهولة عقد الصفقات، مع عدم الاستعداد لقبول الخسارة أو التنازل عن أي شيء مهما كان صغيرا، كذلك عدم قبول الوساطة عندما يتعلق الأمر بأمنه وعائلته وبالأمور التي يعتقد أنها تسيء إليه.
 لا أجانب الحقيقة اذا ما قلت إن لاحتلال صدام للكويت أسبابًا اقتصادية وسياسية وتاريخية، ولكن حماقة صدام هي من ادخلتنا في هذا الكابوس الذي لم نصحُ منه لغاية يومنا هذا.