قبّعة ومليون دينار

الصفحة الاخيرة 2023/08/21
...

عبد الهادي مهودر

يتحمل العراقي قساوة الحر والبرد ولا يتحمل المراقبة و "النظرات والعبرات" وسماع كلمة (عيب) التي تحبط رغباته وتحد من حريته الشخصية في ارتداء الألوان التي يحبها والقبعة التي تعجبه وتقيه أشعة الشمس وبرد الشتاء، ويمتنع الكثير من العراقيين عن استخدام القبعات لطبيعتهم الخجولة والمتحفظة ولحالات التطفل والتدخل في الحرية الشخصية، وإذا كان ذلك التطفل على الرجال فهو على النساء أشد وأقسى، وتتجاوز العادات والتقاليد كل الاعتبارات، بل تعلو فوق الدين والقانون والمنطق في الكثير من القضايا والمظاهر الاجتماعية، وأغطية الرؤوس من بين المظاهر التي فرضتها على الإنسان قسوة الطبيعة، إلى جانب كونها من الخيارات الشخصية ومقتضيات الحاجة والأناقة والموضة، وفي العراق لكل أبناء ديانة وقومية وطائفة ومحافظة تيجانهم الخاصة، والعمائم تيجان العرب قبل أن تأخذ شكلها المعروف وتصبح مظهراً إسلامياً، وسواء كانت التيجان عربية او افرنجية، فالإنسان بعمله وليس بعقاله وكوفيته وطاقيته وعمامته، و لو كان للعراقيين في العصور القديمة والتاريخ الحديث ما يميزهم في المظهر الخارجي، فهو غطاء الرأس الظاهر في تماثيل رموز حضارة وادي الرافدين، وصولاً إلى أشكاله وأنواعه المختلفة في العهد العثماني ثم البريطاني فالملكي والجمهوري، وإلى العهد الحالي (اللا أدري ماهو) الذي يحتفل بالملكية وماهو بالملكي ولا يحتفل بالجمهورية وهو جمهوري، واشتهر الكثير من السياسيين والأدباء والشعراء بطاقياتهم وسداراتهم وعمائمهم، وتميّز البغداديون (بالچراوية) التي أصبحت تنسب للملك السومري كوديا، الذي لبسها مع تنورة قصيرة في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، حسب مصدر رفض ذكر اسمه، وهو اكتشاف شبيه باكتشافنا لاسم الكاتب الإنكليزي أباً عن جد (شيخ صبير) وليس شكسبير، رغماً عن دائرة المعارف البريطانية.
وعلى الرغم من تصدر العراق لجميع الدول العربية والمجاورة بتجاوز درجات الحرارة نصف درجة الغليان، يندر أن ترى عراقياً يحمي رأسه العاري بالمظلة او (الشمسية) وإذا فعلها صيفاً تطارده العيون الجريئة وكأنه ارتكب جناية باستخدامها تحت الشمس وليس تحت المطر خروجاً عن المألوف، مع أن (الشمسية) أقرب إلى فصل الصيف منها إلى الشتاء كما يدل عليه اسمها الساطع، أما القبّعة فقد كسر حاجز ارتدائها الشباب من العراقيين والعراقيات، كما ارتداها الرجال السبعينيون الذين يتمتعون بروح شبابية، ولكن بقي الكثير منهم مترددين على الرغم من القناعة بها والحاجة الماسة إليها في رحلتي الشتاء والصيف، ومنهم أحد الأصدقاء الذي قال  إنه لن يضعها على رأسه حتى توزّع الحكومة قبّعة لكل مواطن وتفرضها مثل الكمامة في أيام جائحة كورونا او مع الحصة التموينية، قلت له وتضع لكم في داخلها مليون دينار كمكافأة تشجيعية، فقال كثّر الله خيرهم.