الفوضى بعد (الشِـدّة)

الرياضة 2023/08/21
...

علي رياح

لوسائل التواصل الاجتماعي حظوة في اتساع، وسطوة لا قدرة لنا على مواجهتها، وكلمة من الصعب أن تـُرد، ولهذا صار في المألوف الكروي العراقي أن نسمع كل يوم، كل يوم، تفاصيل تضرم النار مجدداً في أرض نتصور في كل مرة أنها قابلة للتهدئة أو التسامح أو التصالح من أجل أن تمضي الأمور على خير.
منطقي تماماً أن تكون هذه الوسائل قادرة على قلب المعطيات وتغليب لغة (السبق) أو (التريند)، إذ أنها تنشط في ساحة مفتوحة هي في عُرف البعض تشكّل (الرأي العام) إزاء كل قضية أو مشكلة أو مطلب.. ولكن الغريب هنا ألا نجد تنظيماتنا الرياضية، وبضمنها الكروية، قادرة على التعامل ولا أقول التصدي للكثير من الممارسات، ما يجعل كثيراً من القرارات قابلة للنقض أو التغيير خلال ساعة واحدة بمقدار مئة وثمانين درجة، وقد بلغ الحال أن بعض ما يُطرح يُمهد الطريق لقرارات يتمّ اتخاذها ثم التراجع عنها بسرعة لا يمكن مجاراتها.
في رأيي أنَّ الحلول باتت محدودة ولكنها ليست معدومة.. أقول محدودة ويمكن أن يكون لها المفعول الإيجابي الذي يجعل القرارات المصيرية قابلة للثبات وسط هوجة ردود الأفعال.. أهمها أن يكون أي قرار مدروساً بعناية يجري تناول خلفياته من الأوجه المختلفة، وثانيها أن يجري إبعاد الجمهور عن حيثيات أو مسوغات أي قرار.. صحيح أنَّ الجمهور مُساند ويقدم الدعم والتشجيع، ولكن المسؤول وحده من ينبغي أن يملك سلطة القرار لكي يتحمل وحده التبعات والنتائج وربما الجرائر أيضاً.. وبين الحلول بالطبع أن يملك صاحب القرار قدرة على المضي قدماً في تنفيذ قراره خصوصاً إذا كان قراراً يتسم بالشِدة، وهنا يكمن واحد من أهم ثغرات العمل الرياضي في يومنا هذا حيث تنشط الضغوط، وتتصاعد التأثيرات، وتتحرك المساعي والوجاهات لإطفاء مفعول القرارات الحاسمة.
في الجزئية المتعلقة بالشِدة، صار مألوفاً – ومبرراً لدى البعض – أن يتأخر لاعب عن الالتحاق بفريق وطني دونما سبب أو مبرر مقبول، هنا يجد المدرب نفسه وحيداً في المواجهة بينما يتعيّن على الاتحاد أن يكون صاحب كلمة حتى إذا كانت تقتضي الشِـدة.
استعيد الآن كثيراً من القرارات التي كان اتحاد الكرة العراقي يتخذها في عهود ما قبل التواصل الاجتماعي، تتعلق بالحرمان مُدداً مختلفة لأي لاعب يتخلف عن الانضمام إلى المنتخب من دون عذر مشروع، نخبة من مشاهير الكرة العراقية نالوا نصيباً من العقوبات، بعضها كان سقفه الأول يبدأ بقرار الحرمان مدى الحياة ثم يجري التخفيض لسنة ولكن من دون التراجع اللحظي عن القرار استجابة لرغبة أو مناشدة أو وساطة، فالحرمان يجب أن يتمّ أولاً ويتجرّع اللاعب مرارته لقدر كاف من الوقت وبعدها قد تجرى مراجعة القرار.
لا أظن أن اتحاد الكرة العراقي أو أي نادٍ جماهيرياً كان أو مغموراً في العراق، قادر على أن يمضي بقرارات من هذا القبيل، أو يصمد في تنفيذها في يومها الأول، فلقد صارت للمجتمع الرياضي العراقي (خصوصية) في مضمار التأثيرات والضغوط يقابلها الضعف والمحاباة، لا يمكن أن تجد نظيراً لها في العالم كله.