{مدينة الكويكب}.. أدان الحروب وحذر من نهاية العالم

ثقافة 2023/08/21
...

علي حمود الحسن

طغى الإقبال الواسع على فيلمي "أوبنهايمر" لكريستوفر نولان، و "باربي" للمخرجة غريتا غيروج، وانشغال الميديا غير المسبوق بهذين الفيلمين، اللذين وإن اختلفا في المضمون والبناء، إلا أنهما تشاركا في النجاح وجني الأرباح، على تجربة بصرية مهمة للمخرج الأميركي المختلف ويس أندرسون 54 عاماً، الذي لا يختلف فرادة وابتكاراً في أسلوبه واختيار مواضيعه- غالباً يكتبها بنفسه- وخيالاً سريالياً ربما عن أفلام نولان، فهما يجدان متعة في تحطيم خطية الزمن والعبث بتقاليد الفرجة منذ أرسطو إلى يومنا هذا، متكئين على تغريب بريخت وكسره للجدار الرابع بحسب القاموس المسرحي، وبذلك تحول المتفرج معهما إلى مشارك، إذ تزامن عرض فيلم "مدينة الكويكب"(2023) مع الضجة التي أحدثتها واحدة من أنجح وأذكى الحملات التسويقية في تاريخ السينما، وعلى أي حال لم يحظ  "الكويكب" بإقبال الجمهور واهتمام النقاد الواسع بهذا الفيلم الغريب والنخبوي، لكنه متسق مع أسلوب هذا المخرج الذي ينتمي حاله حال نولان إلى سينما المؤلف.
وفيلم "مدينة الكويكب"، هو الحادي عشر في مسيرة هذا المخرج العبقري، الذي اشتهر بأفلام على شاكلة "فندق بودابست الكبير"(2014)، و"جزيرة الكلاب"(2018)، و" مستر فوكس الرائع"(2009)، يتحدث الفيلم عن عرض تلفزيوني لمسرحية نشاهد ولادتها ونموها ثم اكتمالها ونتابع يوميات مؤلفها الناحل ونراد إيرب (إدوارد نورتون) من خلال راوٍ عليم لعب دوره باقتدار وحضور وبلمسة شاربين كلاسيكيين بريان كزانستون، وبذلك يضعنا أندرسن المهووس بالمسرح -  لا تخلو أفلامه من لمسة مسرحية - إزاء مشهدية ممسرحة، بدءًا من  طريقة سرده، وانتهاءً بتقديم الشخصيات وطريقة دخولها وخروجها من الكادر، الذي غالباً ما يحظى باهتمام أندرسون، باعتباره بنية متكاملة، فضلاً عن الديكورات المختزلة والذكية بألوانها المشرقة والبهيجة، التي تذكر بديكورات المسارح الدوارة والمتداخلة، إذ قسم أندرسون الفيلم إلى فصول، وكل فصل إلى  مشاهد، بينما اعتمد زمناً أفقياً متشظياً مستفيداً من الحرية المتاحة للراوي الذي تدخل ليعلق على مشهد حواري بين ممثلتين، فتوبخانه على فضوله، يعتذر منهما ويقول "اعتقدت أن لي دوراً في هذا المشهد" و أصل حكاية المسرحية هو الاحتفاء بمجموعة من عباقرة أميركا من الفتيان الذين يشاركون في احتفالية علمية ترعاها منظمة علمية في مدينة صحراوية خيالية شهدت سقوط نيزك ترك أثراً، يلتقي الآباء والأمهات والأجداد مع فتيانهم، يتبارى الشباب بعرض اختراعاتهم وتتشابك قصصهم الإنسانية، بين تنافس وعشق واحباط  وحزن، يتفاجأ الجميع بكائن فضائي يحط بوسطهم ويسرق بقايا النيزك (الكويكب) هذه المغامرة التي تتخللها شفرات إدانة للحروب والتعسف والقلق من نهاية كوكبنا بضغطة زر نووي، في تقديري الفيلم لا يقل أهمية عن "أوبنهايمر" أسلوباً وفرادة، لكن "الدنيا حظوظ ومزاجات".