أحمد عبد الحسين
أقلّ الدول فساداً هي الدول المستقرّة سياسياً وأمنياً واقتصادياً. وهذا أمر بديهيّ لأنّ الثغرات الأمنية والاقتصادية أبواب لدخول صغار اللصوص، أما الاضطراب السياسيّ فهو الباب المشرعة على مصراعيها لكبارهم.
تلكم الدول المستقرّة ليستْ خليّة تماماً من فساد وفاسدين، ففيها من يستطيع اللعب على الحيل القانونية أو يستغلّ تأويلاً في الدستور أو يركب ظهر تشريع اقتصاديّ ملتبس، غير أنه سيظلّ يشعر في قرارة نفسه أنه ليس آمناً. قوّة الحكومة والقضاء في دول كهذه كفيلة بأن تجعل الفاسد خائفاً يتلفَّت.
طوال سنوات مضتْ كان الفاسدون في العراق آمنين تماماً من أن يشار إليهم بإصبع الاتهام، إلا من تقارير صحفية ووثائق تنشر في مواقع التواصل وسجالات عالية الصوت في البرامج الحوارية، وكلّ ذلك لم يكن ليسفر عن ردعهم أو التخفيف من شهيتهم.
كان الاضطراب السياسيّ والاقتصادي والأمنيّ هو مجالهم الحيويّ، فكان بديهياً أن يفعلوا كل ما بوسعهم لإدامة الاضطراب ليديموا مملكتهم المؤسسة على المال الحرام.
لكننا منذ أسابيع نشهد تصاعداً ملحوظاً في عمل هيئة النزاهة، فلا يكاد يمرّ يوم إلا ويحمل معه رصد حالات فساد كبيرة وصغيرة، بالتزامن مع صدور أحكام بالسجن على فاسدين ثبت عليهم جرمهم.
هذا أمر يدعو للتفاؤل. وقد لفت انتباهنا أمس تصريح للمستشار السياسي لرئيس الوزراء قال فيه "سنشهد في الأيام القادمة الإطاحة بفاسدين كبار لأنّ هناك جدية في توجه السوداني على هذا الصعيد، وهذا من أولويات برنامجه الحكومي وبموافقة جميع الكتل السياسية".
والإشارة إلى "موافقة الكتل السياسية" أمر يعطي للتصريح مصداقية أكبر، لأن رفع الغطاء السياسيّ عن هؤلاء الفاسدين كفيل بتجريدهم من أمضى أسلحتهم. ثم أردف بجملة أراها الأهمّ لأنها تكشف عن استشراف للآتي مبنيّ على معلومات. قال: "سنشهد أن كثيراً من الكتل السياسية ستتبرأ من الفاسدين المحسوبين عليها تجنباً لأيّ إحراج قد يلحقها من وراء أفعالهم هذه".
هذا التصاعد الملحوظ في تقصّي حالات الفساد وملاحقة الفاسدين وإصدار الأحكام بحقهم، من شأنه أن يجعل الفاسد خائفاً متردداً ويقلل من جيوشهم التي كانتْ تفعل ما يحلو لها من دون رادع.
في القضايا التي تتعلق بالنزاهة وحفظ المال العام، يغدو نبش الماضي الأليم وتجريم رموزه مقدمة لا بدّ منها لإحراز مستقبل خال من الفساد والفاسدين.
وإذا استمرتْ وتيرة كشف الفاسدين على هذا المنوال، فإنّ لنا حقاً بأنْ نأمل بمستقبل كهذا.