عصرُ الغليان

آراء 2023/08/22
...

 باقر صاحب

 

ليس هناك توصيفٌ أرعبُ من أن يُطلقَ على عصرنا هذا، بأنّه «عصر الغليان العالمي»، جاء ذلك ضمن تصريح المفوّض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك لوكالة «فرانس برس»، بعد اختتام زيارةٍ إلى العراق، دامت أربعة أيام، حيث تناولت وكالاتٌ إخباريةٌ أخرى، الخميس الماضي 10-8-2023، ذلك التصريح، وذكرَ فيه تورك بأنَّ «ارتفاع درجات الحرارة والجفاف وفقدان التنوع البيئي، (أمور) باتت واقعاً.

هي بمثابة إنذارٍ إلى العراق والعالم أجمع»، مضيفاً «حينما نشاهد أوضاع تلك المجتمعات، فنحن نشاهد مستقبلنا».

تورك اقتبس ذلك التوصيف من أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حيث أطلقه الشهر الماضي.

المفوض السامي، هنا يقرع جرس الإنذار من العراق إلى العالم أجمع، تجاه مخاطر عالميةٍ، وليست محليةً فحسب، يتوحّدُ فيها الاستهلاك البشري والتلوث البيئي وارتفاع درجات الحرارة في أنحاء العالم بشكلٍ غير مسبوق.

وتذكر تقارير خبرية، أنَّ العراق، وللعام الرابع على التوالي، يُعتبر البلد الخامس الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، بسبب قلة تساقط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، وتذكر أيضاً أن السلطات العراقية» تحمّل جزءاً من المسؤولية إلى سدودٍ تبنيها الجارتان تركيا وإيران على منابع دجلة والفرات، ما يسبّب انخفاضاً في منسوب الأنهر التي تعبر العراق» 

ونحن نرى أن تأكيد رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني على جعل مكافحة التغيير المناخي ضمن أولويات البرنامج الحكومي، ينبغي أن يحمل في طياته الأهميَّة القصوى لمراجعة اتفاقية توزيع مياه نهري دجلة والفرات مع الدول المتشاطئة. 

كارثة التغيير المناخي عموماً هي عالمية الطابع، وتحمل بعدي الاستهلاك البشري والتلوث البيئي، وهنا تحضرني مقالةٌ للكاتب د. سعيد الشهابي بعنوان» إنسان القرن العشرين أحدث أزمةً بيئيةً، نشرتها مؤخراً» القدس العربي» اللندنية، يذكر فيها أنّ الدول الكبرى ذاتها لا تلتزم باتفاقيات مكافحة التغيير المناخي، ومنها اتفاقية باريس، والتي لم توقّعْ عليها الولايات المتحدة الأميركية في عهد دونالد ترامب، لأنَّ جوهر مثل هكذا اتفاقيات يقضي بالحد بشكلٍ كبيرٍ من النشاطات الصناعية، لغرض التقليل من انبعاث ثاني أوكسيد الكاربون، عدم الجدية في الالتزام يعني التناقص التدريجي للهواء النقي في الفضاء العالمي، ومن ثمّ تزايد التلوث البيئي في العالم كلِّه. 

وهنا نوضّح الأمر من ناحيةٍ أخرى، وهي إن التفاوت الطبقي على مستوى العالم، خلق طبقةً مخيفةً من الأثرياء، تتملّكها شهوة الاستهلاك المفرط لكلّ شيء، بفعل ثرواتهم الخيالية، بينما هناك بشرٌ في كلِّ العالم يعيشون تحت خطّ الفقر.

يذكر الكاتب محمد صالح في مقالةٍ له، على موقع (نوى) الإخباري، عن الاستهلاك المفرط وأثره في الحياة الحديثة «أصبح الاستهلاك غايةً في حدّ ذاته، هُنا ظهرت النزعة الاستهلاكية والتي خلقت دوّامة استهلاكٍ تتطلّب إنتاجاً أكبر للسلع، مما يعني زيادة استهلاك للمواد الخام والطاقة، واستنزافاً أكبر لموارد الأرض بشكلٍ عام، والتي بدورها أثرت على البيئة بشكلٍ سلبيٍ وباتت تهدّد وجود البشر على كوكب الأرض».

نتساءل إزاء هذه المعلومات المرعبة والتحليلات الصادمة، إلى أين نتّجه، ويتّجه العالم، هنا الفتك البشري ليس بالحروب التقليدية أو النووية، بل بالأزمات البيئية، التي ستتضخم بشكلٍ هائلٍ في عصر الغليان.