د.عبد الخالق حسن
صناعة الخوف هي مهنة رائجة وبضاعة مضمونة التسويق في المجتمعات. وفي الحالة العراقية، امتهن حزب البعث هذا الأمر منذ استيلائه بانقلابه المشؤوم سنة 1968. فابتدأ إرهاب المجتمع بظاهرة (أبو طبر) والحوادث التي كانت تسجل ضد سيارة نوع (تريلة). وقبل أن يصل الدكتاتور صدام للحكم، كان قد ابتدأ بالتمهيد لفكرة الرعب عبر أجهزته الأمنية التابعة له، ثم توجها بحادثة قاعة الخلد، التي كانت الرسالة فيها واضحة، وهي أن الذي يقتل كبار البعثيين بهذه الطريقة القاسية، لن يتوانى عن قتل غيرهم تحت عنوان (أطره بيدي أربع وصل).
ومع سقوط النظام الدكتاتوري، استمر السياق الإرعابي للإرهابيين، الذي كان ينتمي أغلبهم للبعث قبل السقوط. فاختاروا أبشع طرق الإجرام ضد العراقيين، بين تفخيخ الصهاريج المليئة بالغاز، أو تفخيخ الجثث وقطع الرؤوس، وصل إلى استهداف كل مرفق للحياة، وكلنا نتذكر كيف أنهم استهدفوا بكل خسة ملعباً للأطفال في منطقة النعيرية سنة 2006، والذي ذهب ضحيته 31 طفلاً بطريقة كشفت عن بشاعة وحقد وانهيار أخلاقي.
وحين تجاوز العراق تلك المحن، وأفلس الإرهابيون ومن يدعمهم في ثني العراقيين عن الاستمرار في دعم العملية السياسية، اتجهوا للإعلام من أجل بث اليأس والإحباط بين الناس، وهم يقصدون بهذا جعل العراقيين يقارنون بين الأمن والرخاء الموهومين في زمن الدكتاتورية، وبين الخوف والجوع في الزمن الحالي، مثلما كانوا يصورون الأمر.
وفي هذه الأيام، ارتفعت أصداء أخبار عن تحركات عسكرية أميركية لإسقاط العملية السياسية، من خلال تدخل عسكري مباشر، وهو ما روج له أحد الفاعلين سابقاً في العملية السياسية من خلال استدراج المراهقين وأصحاب الغايات المريضة، الذين ظلوا يكررون كلام هذا الشخص. والغريب أن أكثر الذين يروجون لهذا الأمر اليوم هم بقايا وداعمو البعث، وهو ما يمكن اكتشافه بسهولة من خلال حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أو عن طريق منصاتهم الإخبارية، مع أنهم صدعوا رؤوسنا بكلامهم عن الاحتلال، وكانت أعمالهم الإرهابية ضد العراقيين يتم تبريرها، كونها تأتي ضد من يدعم المحتل. وواضح أن غاية الترويج لهذه الأخبار هو بث الخوف بين الناس، مع أن الأمر قد نفاه البنتاغون، وأن من ينشرون هذه الأخبار يستعملون فيديوهات لتحركات عسكرية أميركية، حدثت قبل سنوات خارج العراق، وبالذات في أفغانستان. لهذا فإن مسؤولية الجهات الرقابية اليوم، لا سيما هيأة الإعلام والاتصالات، هي منع الترويج لهذه الأخبار الكاذبة ومحاسبة الفضائيات، التي تستضيف أشخاصاً يعرضون أمن المجتمع للرعب والتخويف، ومتابعة وسائل التواصل ومعرفة الأماكن، التي يتم بث هذه الأخبار منها، لأن هذه مسؤولية تقع في نطاق حفظ الأمن المجتمعي، وتحقيق الأمن الوطني للعراق.