مؤهلات لغويَّة

الصفحة الاخيرة 2023/08/22
...

حسن العاني



فرح لا نظير له وهو يتسلم شهادة التخرج الجامعية بمعدل (جيد جداً)، وكانت فرحة أسرته – وخاصة أمه – هي الأعظم والأبهى، وربما من بين مشاهد السعادة كان مشهد والدته هو الأكثر حضوراً ومدعاة للتأمل وهي تحتضنه وتبكي ولا تستطيع التوقف عن البكاء، وتواصلا مع مسرات (الأسرة)، استقبل المنزل ضيوفاً وحفلا خاصاً – وإن كان بسيطاً للأقارب- وحفلا مماثلا لأقرب أصدقائه، بينما تم توزيع صحون (الدولمة) على الجيران احتفاء بالمناسبة، وقبل ذلك إيفاء بالنذر الذي قطعته والدته على نفسها يوم يتخرج ولدها من 

الكلية.

كالعادة وكما هو معروف ومتوقع، فقد (زين) الشاب الخريج صالة الضيوف بشهادة تخرجه المزججة والمؤطرة على غرار آلاف الشهادات المماثلة، وكما جرت العادة كذلك مرّ أسبوع حافل بالتهاني والزيارات والهدايا، وبعده وكالعادة المتعارف عليها بين الخريجين، كان عليه الالتزام بثلاثة ضوابط أو شروط، هي (البحث عن شغل) و (متابعة أخبار التعيين) و(مراجعة شركات القطاع الخاص)، كان الشاب حريصاً على تنفيذ تلك الالتزامات، ومن هنا تدبر أمره على عجل وحصل على (شغل) مع ابن خالته، صاحب (بسطة) لبيع الفواكه في السوق، ولم يغفل الشرط الثاني وهو متابعة أخبار التعيين، وقد مرت على متابعته 3 سنوات و 9 أشهر من دون بارقة أمل، وسمع الشاب في أثناء هذه المدة كلاماً كثيراً عن خريجين مثله دفعوا رشوة كبيرة وحصلوا على وظيفة في هذه الوزارة أو تلك، ولكنه لم يصدق مثل ذلك الكلام وعده من الشائعات، ولم يبقَ أمامه إلا الشرط الثالث وهو الأخير، والشاب ما نسيه ولا أغفله، فمنذ تخرجه مباشرة، حرص الحرص كله على إيجاد مثل هذه الفرصة وهي البحث عن عمل في المؤسسات التجارية والشركات الأجنبية، خاصة أن أمله في تعيين رسمي أوهى من بيت 

العنكبوت.

هكذا جرت الحال، فعلى مدى أيام وشهور وسنوات وهو يراجع عشرات المؤسسات التجارية والشركات الأجنبية طلباً لأي عمل مهما كان، غير أنه أينما ذهب كانوا يسألونه السؤال نفسه، وكأنهم متفقون عليه: هل تجيد اللغة الإنكليزية أو الفارسية أو الكردية؟! فيرد عليهم بلهجة مشفوعة بالأسى (لا)، ولأنه وجد الطريق أمامه مغلقاً، ولم يستسلم لليأس، فقد (فرّغ) نفسه وجهده واهتمامه على مدى عدة سنوات حتى أتقن تلك اللغات ببراعة تؤهله للحصول على العمل ببساطة، وحين راجع (واثقاً)، تلك الشركات والمؤسسات من جديد، كان موظفو الاستعلامات يسألونه: حجي، هل تجيد اللغة العربية؟! فيرد عليهم معتذراً : آسف .. لقد نسيتها بمرور الزمن، ولكنني أجيد 3 لغات غيرها، وفي كل مرة يسمع الرد نفسه: نأسف حجي .. لدينا فائض من هذه اللغات الثلاث، ولكننا نعاني من نقص حاد 

في العربية.