مدني صالح وسؤال النهضة

ثقافة 2023/08/22
...

  فوزي حامد الهيتي

ويسألونك عن الخلاص أنى يكون؟.. فقل.. لا مفر أمامنا نحن العرب الذين نعيش مطلع الألفيّة الثالثة وتصدق علينا كل الأوصاف التي وصف بها الأستاذ مدني صالح فرايدي المسكين المغلوب على أمره الهارب من نفسه والمستجير بكروسو السايكسبيكوي الشايلوكي المؤمرك، إلا خيارٌ واحد للتحرّر من سطوة كروزو وآله السايكسبيكويين المؤمركين، هو خيار احترام الذات، وعدم التفريط بحقه، والتأسيس على أصل ثقافي ثابت وليس على قشور الثقافة.

ومن علامات احترام الذات: احترام فرايدي العربي، آل بيته وأبناء جلدته والاطمئنان إليهم وان لا يستعين على مخاوفه من ذاته ومن آل بيته بكروزو وعشيرته. ومن أسباب التحرّر من كروزو وآله هو الانفتاح المعرفي والفكري على كل ما أنتجه كروزو وآله من معرفة.. ثقافة (علماً وأدباً وفناً) ومدنيّة (صناعة وزراعة وعمارة). عليه أن لا يُفرّطُ بحقهِ في موسى والمسيح وإفلاطون وأرسطو، مثلما تمسك كروزو بكامل حقه في إبراهيم أبو الأنبياء ولم يستغنِ عن القدس بروما، ولم يترك حقهُ في أوروك وبيت لحم وسيناء، ولو طالت يداهُ لورث بوذا وكونفوشيوس، وهو يعلمُ علم اليقين، انه لا يأخذ من كل الذي ورثه، إلا الذي يحتاجه وفي الوقت الذي يحتاجه، إلا انه يتمسك به ويضعه رصيداً باسمه في مصرف يملكه هو ليسحبه وقت ما يشاء.. على فرايدي أن يأخذ حقه كاملاً ولا يفرط بذرة ولا حبة خردل من نيوتن واينشتاين ورسل وسارتر وشكسبير ودوستويفسكي وتولستوي وجاك لندن.. من هيجل وماركس وفرويد وفيتغنشتاين وبوفاري ومن كل الأساطين العباقرة السقارطة الأرسطيين. عليه أن ينفتح كل الانفتاح على أسباب القوة وعليه أيضا أن ينغلق كل الانغلاق على إرثه الثقافي والذي منه إقامة الصلوات الخمس بأوقاتها وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وان نذكر الله قياماً وقعوداً وان نسبح باسمه في كل حال وان نفشي السلام بيننا وان نحب بعضنا وان نكبر كبيرنا ونعين صغيرنا، وأن نقول الصدق دائما.

ومن أسباب هذا التحرّر أيضا أن نقرأ إفلاطون بلا حياء ونلخّصَ أرسطو ونشرحه ونُكفّرهُ إن شئنا، أو كان في تكفيرهِ نفعٌ لنا. والذي منهُ أيضا، أن نقرأ المالكي والشافعي وأبا حنيفة النعمان وأحمد ابن حنبل، وأن نُعيد القراءة مثناً وثلاثاً. ثم نعود ونقرأ القاضي عبد الجبار وأبا الحسن الأشعري والغزالي وابن تيمية. ونعيد القراءة ثلاثاً ورباعاً، حتى نكون تيمويين أكثر من ابن تيمية وغزاليين أكثر من الغزالي وأشعريين أكثر من الأشعري ومعتزليين أكثر من القاضي عبد الجبار وابن بشر وأبي هشام الجبائي، وكل البغداديين والبصريين وحنابلة حنفيين شافعيين مالكيين، أكثر من هؤلاء العباقرة ابن حنبل والشافعي وأبي حنيفة ومالك. وهذا لا يكون، إلا إذا كنّتَ قادراً على أن تضرب رأساً برأس وتكسر كل الرؤوس التي منها رأس الغزالي ورأس ابن تيمية ورأس ابن حنبل والاوزاعي والشافعي وأبا حنيفة والقاضي عبد الجبار وابن بشر والجبائيين.. أن تهشم كل هذه الرؤوس وتفعصها فعصاً.. ذلك، لأنّك إذا لم تكن قادراً على كسرِ رأسِ الغزالي مثلاً، ستضطرُ مجبراً لا مختاراً، أن تتّخذَهُ صنماً تحْمِلهُ على رأسِكَ وتنوءُ بحملهِ وتتقيّدْ حركَتُك. وان كبّرْتَ الصنمَ، سينقَصِمُ ظهركَ إلى نصفين وتقعدُ خائباً كسيحاً، تطلبُ العونَ من أعدائِك وأعداءِ الغزالي وأعداءِ الله، كلّما احتجْتُ لأن تتداوى من أمراضِ الظهر والصداع، وكلّما احتجت أن تزيد غذاءَك بروتيناً واحداً، وكلما احتجت أن ترفع من سقف بيتِكَ أو تُحسّنَ مركوبك. وقل مثل هذا في الملبس والمشرب وسرعة الاتصال بأخٍ لك في الصنم المحمول. ولن تكون بعد كل الذي جرى لك ويجرى، غزاليّاً أكثر من الغزالي ولن تكون حنفياً ولا مالكياً ولا شافعياً ولا أشعرياً أكثر من هؤلاء الجهابذة العباقرة الغزاليين المالكيين الشافعيين الحنابلة الفارابيين السينويين.. غزالياً مالكياً شافعياً فارابياً سينوياً.

أما إذا كنت قادراً على كسر رأس الغزالي الذي كان قبلك، قد كَسَرَ كلّ الرؤوس السابقة عليه، وأوّلها رأس أفلاطون، ورأس أرسطو والفارابي وابن سينا، فقوّض ميتافيزيقاهم وأدخلهم جهنّم خالدين فيها أبدا. وكسر رأس المالكي والشافعي وأحمد ابن حنبل فأدخل المنطق في الفقهِ وأصول الدين وعَدّهُ شرطا واجب تعلمهُ والاستعانةُ به على كل الفقهاء والمتكلمين والفلاسفة.. عندها.. وعندها فقط، ستكون حتما غزاليا أكثر منه وستكون حنفيا أشعريا أكثر من كل هؤلاء الجهابذة العباقرة المعاميد وستكون قادرا على التأسيس في الثقافة والحضارة والمدنيّة، بعد أن تجعل من رؤوس هؤلاءِ الجهابذةِ، أصلاً تبدأ منه وتقِفَ عليه. وستشعر بثقة وأمان لم تعرفها من قبل وستزول عنك كلّ آثار الصداع وآلام المفاصل ووجع الظهر. وسيهرعُ إليك الكلّ، من الشرق، ومن الغرب، ومن الشمال، ومن الجنوب، ومن كل صوبٍ يهرعون إليك، آخذين منك، ثقافةً وحضارةً ومدنيةً، مترجمين عنك إلى كل اللغات الحية والميتة المحكية والمكتوبة.. وسيرضى عنك اللهُ ورسولهُ وكل المالكيين والحنفيين.. المعتزلة والأشاعرة وكل السقارطة الجهابذة الغزاليين من وزن الإدريسي وفرنسيس بيكون وغاليلو ونيوتن واينشتاين، وكل المؤسسين المؤصّلين، الأفذاذ، وسيضمونك إلى قائمتهم التي لا تطول إلا بأمثالك من العباقرة المعاميد.