أحمد عبد الحسين
الاجتماع الذي عقده وزير الداخلية أمس في كربلاء وضمَّ مديري مكافحة المخدرات في كل من العراق وإيران، أتى بعد سلسلة اجتماعات مشابهة مع المسؤولين عن الملف الخطير ذاته في سوريا والأردنّ.
سلسلة الاجتماعات هذه تؤشر أهمية تأمين حدود العراق مع جيرانه ومنع تحوّلها إلى معابر لتهريب هذه الآفة التي تفتك بأثمن مقتنيات البلدان: شبابها الذين هم ذخيرتها المهيأة لصناعة المستقبل.
لم يكن العراق بلد مخدرات يوماً. شيء ما يتعلق بمزاج العراقيّ وبالقوانين الحديدية الرادعة كما يتعلق أولاً بقيمنا المحافظة، كان حاجزاً بين العراقيين وبين الإدمان على هذه السموم. لكنّ فترات الاضطراب السياسيّ والأمنيّ ولّدت تلك الرضة النفسية التي صدّعتْ الجدار الذي يفصل شبابنا عن المخدرات.
كان الأمر أشبه ما يكون بآلية للهروب من حاضر مؤلم ومستقبل مضبب، وهو يماثل تماماً الهروب من البلد في محاولة للهجرة واللجوء إلى دولة أخرى. فمن لا يستطيع أن يفرّ إلى أرض أخرى فأمامه وهم الفرار إلى واقع آخر تمنحه إياه هذه السموم القاتلة. ومن هذه الثغرات أطلّت المخدرات برأسها في بلدنا.
غير أن الاستقرار الذي نعيشه الآن بعد القضاء على المخاطر الأمنية، يحتّم علينا الالتفات بجديّة إلى المخلفات التي تركتها عواصف الاضطراب السابقة، وهي تركة فادحة تتمثل بنشوء سوق للمخدرات من تجّار ومروّجين جناة ومتعاطين ضحايا.
نشاط السيّد وزير الداخلية المتمثل بدرء الخطر القادم من حدود العراق مع جيرانه، بداية صحيحة للعلاج. فالعراق ليس فيه مزارع ولا معامل لصنع هذه المواد. وإنْ وجدت فالقضاء عليها ممكن جداً. لكنّ الخطر الأكبر يأتي من البضاعة القاتلة التي تعبر الحدود إلينا، وهو خطر تعاني منه دول كبرى كأميركا، ودول قويّة في المنطقة كإيران، يكفي أن نعرف أن إيران مثلاً قُتل فيها أربعة آلاف عنصر أمنيّ وجرح 11 ألفاً آخرين في الحرب ضدّ تجار المخدرات ومهربيها.
الأمر بالغ الخطورة إذن، والحرب التي تخوضها أجهزتنا الأمنية في هذا الشأن لا تقلّ أهمية عن الحرب ضدّ عصابات داعش الإرهابية. من هنا فإنّ الاجتماعات التي عقدها وزير الداخلية مع مسؤولي دول الجوار العراقي تمثل خطوات ناجحة لإعادة العراق كما كان برئتين سليمتين نظيفتين من دخان السموم، وبجيل شابّ لا يفكّر بالهروب من واقعه إلى انتحار بطيء.