اقتناص الدولة وجدوى برامج الإصلاح الاقتصادي

آراء 2023/08/24
...







 د. حامد رحيم


 هل أن شكل النظام السياسي القائم في أي دولة وركائزه الاساسية، يعد معوقاً أصيلاً للتنمية الاقتصادية؟ تجيب التجارب بوضوح شديد بأن الممارسات السلطوية، هي الحجر الأساس في عرقلة أو دفع عجلة التنمية، بغض النظر عن كون النظام دكتاتوريا أو ديمقراطيا أو نصف ديمقراطي، برلمانيا أو ملكيا أو رئاسيا أو قبلي، علمانيا كان أو دينيا وغيرها، العبرة بالممارسات السلطوية، ومثال ذلك الصين الشعبية أكبر نظام دكتاتوري، يجرّم العمل السياسي لغير الحزب الشيوعي الصيني، وبالوقت ذاته هي ثاني اعظم اقتصاد في العالم يسير بخطوات عملاقة نحو الازدهار الاقتصادي، كذلك ماليزيا ذات النظام السياسي التوافقي على أساس محاصصة الاعراق أنتج واحدة من أهم التجارب التنموية في التاريخ في ظل رئاسة مهاتير محمد، وهو اسلامي التوجه، خذ مثالا اخر كيف دفعت عجلة الحراك السياسي في تركيا حزب العدالة والتنمية ذا الأيديولوجيا الاسلامية إلى السلطة، ليقدم نموذجا تنمويا اضاف الكثير للمجتمع التركي، وحتى التجربة الخليجية بزعاماتها القبلية والأسرية والحكم الديني وممارسات بعض دولها السياسية، المتمثلة بخيار نصف ديمقراطي، كالكويت مثلا فلا تخلو من نجاحات اقتصادية وإن كانت محدودة. نتكلم هنا عن (البراغماتية) ببعدها الواقعي لا يهم الصراع الأيديولوجي حول نمذجة التنمية بين التيارات الليبرالي واليميني واليسارية، فالحكم هنا يستند إلى المنتج النهائي، فهذه الدول هي منتجة للتكنولوجيا، ولها نتاج معرفي وجانب صناعي دقيق ومهم، بل إن بعضها مثل ماليزيا هي من الدول التي غيرت سطح الكوكب تكنولوجيا، وفقا لاحصاءات الامم المتحدة. إذاً الصراعات الوهمية وما يسوق من المعسكر الليبرالي من أن العلة الفعلية للتخلف تمكن في شكل النظام السياسي وحصر الازدهار والتنمية في شكل سياسي محدد هذا وهم كبير.

إن الممارسات الفعلية للانظمة السياسية المعوقة للتنمية كثيرة، ولا يسمح المقام بسردها ولنركز على (الفساد)، باعتباره هوية وعلامة فارقة راسخة في العديد من دول التخلف. إن الفساد بمفهومه المحوري الذي يعني ببساطة استغلال المركز أو الموقع العام، لتحقيق مكاسب شخصية مادية كانت أو معنوية على حساب هدر المصالح الاجتماعية، له أنواع منها،الصغير مثل الرشوة والمحسوبيات وغيرها، والكبير الذي يتم عبر شخصيات ادارية وسياسية كبيرة، وكله ممكن معالجته إن كانت السلطة العليا بأجهزتها الرقابية، ومنظومة القضاء فيها تملك الارادة لمواجهته، فعند هذا الحد يمكن تخطي الأزمة، وهذا ما حصل في كوريا الجنوبية وسنغافورة وجورجيا وغيرها في بدايات النهضة، المشكلة والاشكالية تكمنان في الانصهار أو التماهي من قبل السلطات العليا والقضاء مع الفساد، فالتماهي وغضن النظر يعوقان الجهود التنموية إن وجدت، وهي مشكلة أخف نسبيا من الانصهار في الفساد، وهذه الحالة هي ما تعرف في الادبيات والمعالجات (باقتناص الدولة)، فعندها تصبح السلطة هي الفاسدة والقضاء راعٍ وداعم لها، أي من يشرّع وينفّذ ويفصل بالقوانين هم الفاسدون. يشير الكاتب (عبد الباقي شمسان) إلى مفهوم الاقتناص على أنه «استخدام طرق ووسائل تعتمد على الفساد السياسي وتهميش القاعدة الجماهيرية الواسعة في السيطرة على موارد وثروة الدولة، خاصة مقدرات الانتاج وتتم عبر تقييد الفصل بين السلطات الثلاث والتلاعب بالانتخابات، وسيطرة تجمعات المصالح على العملية السياسية لصالح كيانات محددة». عند تمكن هذا الحال يسود الفساد ويصبح هوية النظام، وعندها لا حلول برامجية تنفع بالمطلق، فالخصم يكون هو الحكم، وتتحول البرامج الاقتصادية التي تتعامل مع موارد الدولة مجرد (ديكورات) بائسة لممارسة الخداع السياسي للبسطاء من عامة الناس، والحل يكمن بحالة الوعي الجمعي للواقع وتعظيم اثر هذا الوعي، ليتحول إلى خطوات تقلب الواقع، وبغياب هذا العنصر يعني استدامة التخلف الاقتصادي، وإن كان النظام يبدو في شكله ديمقراطيا، لأنها ستكون مجرد وسيلة لتعزيز ظاهرة (اقتناص 

الدولة).