جدوى الانتخابات

آراء 2023/08/24
...

 د. حميد طارش 


 منذ أن مرّ الانسان بمعضلته الأولى في التاريخ، والتي تطلبت تأسيس الدولة لتحمي حقوقه وأمنه وتأمين حاجاته، وهو لا يزال يحاول تصحيح مسار الدولة، التي خطفها الحكام، وأصبحت معضلة الإنسان أكثر تعقيداً، لما يمتلكه الحاكم من قوة استخدمها للبطش الذي أزهق ملايين الأرواح على مرّ التاريخ، لكنه لم يستسلم واهتدى إلى النظام الديمقراطي، الذي لم ولن يكون مثالياً، وإنما النظام المتاح لإدراة الدولة. ومسوّغ قبول النظام المذكور تكمن في قدرته على منع الأشخاص من احتكار السلطة، لذلك لجأت الأنظمة الملكية إلى تبنيّ النظام البرلماني الذي يتيح بقاء الملك دون أية مسؤولية (مصون غير مسؤول)، ونقل السلطة إلى الشعب عبر البرلمان.

 واعتمد النظام الديمقراطي وسيلة الانتخابات لتداول السلطة سلمياً، وأن تكون متاحة لجميع المواطنين دون تمييز، على أن تضمن تلبية حماية حقوق الناس وإشباع حاجاتهم، وتحقق أهم نتيجة وهي القدرة على مساءلة الحكام عند فشلهم بعزلهم في الانتخابات القادمة، وبالتأكيد هذه المساءلة السياسية لا تمنع أية مساءلة أخرى بموجب القوانين النافذة. لذلك نرى حكومات الدول المتقدمة، التي تعيّ الديمقراطية وقدرتها على عزلها تحرص على تنفيذ وعودها لناخبيها خوفاً من الخسارة اللاحقة في الانتخابات.

 أذن جدوى الانتخابات تكمن في تغيير واقع الحياة وتأمين متطلباتها من أمن وحرية وخدمات وفرص عمل وهكذا، هذا مبتغى الانتخابات وليس فوز الأشخاص في الانتخابات، لذلك يتسابق الناخبون في الأدلاء بأصواتهم دعماً للمخلصين وعزلاً 

للفاشلين. 

 لكن ماذا عن تعطيل مخرجات الصندوق الانتخابي في الأنظمة الديمقراطية الهشة حين تستبدل النتائج الانتخابية بالتوافق والمحاصصة، لتجعل ولاء المسؤول للكيان السياسي الذي منحه السلطة، وتمنع الناخبين من المشاركة في الانتخابات لعجز أصواتهم عن جلب المنقذ لهم من مشكلاتهم.

 سيكون الأمر أكثر صعوبة في تعامل الناخبين مع الانتخابات المحلية التي لم تقدم ما يغير واقع محافظاتهم، لكن السؤال الأهم هل تدرك القوى المشاركة في الانتخابات القادمة ما عليها من واجب أعادة الثقة للناخب ليس فقط بالمشاركة في الانتخابات، وانما بما يعقبها من عمل، إذ قد يلجأ الناخب إلى سلاح آخر غير مقاطعة الانتخابات.