البنية الاجتماعية وإمكانيات التغيير

آراء 2023/08/24
...

 حسن السلمان 


يتوقف التغيير على الصعيد السياسي وتركيبة نظام الحكم على عدة عوامل داخلية، ومن أهمها طبيعة البنية الاجتماعية لبلد ما، وما يترتب على ذلك من استعدادات سايكولوجية وانساق ثقافية لقبول التغيير أو رفضه. فبالعودة إلى الماضي القريب وما حدث من انعطافات تاريخية ذات طابع سياسي تحت ما يسمى بثورات “الربيع العربي”، نجد أن بعض الثورات، قد نجحت في تغيير الأنظمة السياسية بشكل جذري، أو جزئي، أو إصلاحي إن جاز التعبير، وبعضها أخفقت وأدخلت بلدانها في نفق مظلم من الخراب والتفكك والحروب الأهلية، التي ما تزال تدور رحاها إلى الآن. هنا نلاحظ كيف لعبت طبيعة البنية الاجتماعية في البلدان، التي حدثت فيها الثورات دوراً محورياً في فشل التغيير أو نجاحه. فالبلدان ذات البنية الاجتماعية القبلية وسياساتها القائمة على التعصب القبلي والاستحواذ المناطقي كـ( ليبيا والسودان واليمن) نجد أن ما حدث فيها من ثورات قد فشلت فشلاً ذريعاً أدى كما هو معروف إلى تفكك بنية الدولة الواحدة المتماسكة إلى مناطق نفوذ تتحكم بها الجماعات القبلية، التي دخلت في ما بينها في سلسلة من الحروب الطاحنة، التي ما زالت مستمرة حتى الآن بدعم خارجي محسوب، وفق المصالح والولاءات بينما نجد عكس ذلك تماماً في المجتمعات ذات البيئة الاجتماعية ذات الطابع المدني، والتي تتكون من أفراد وبيوتات لا علاقة لها بأي امتداد قبلي، كما الحال في تونس ومصر اللتين نجحتا بقطف ثمار الربيع العربي بصورة أو بأخرى، بل وبحكم طابعهما المدني وشعورهما الوطني العابر للانتماءات الضيقة استطاعتا أن تعدلا من انحراف بوصلة التغيير، عندما استحوذ حزب النهضة الإسلامي على السلطة في تونس وسعى إلى أسلمة المجتمع التونسي في حركات تصحيحية، قامت بها القوى السياسية ذات التوجه المدني مدعومة وبقوة من قبل اغلبية المجتمع التونسي، الذي تربى على ثقافة الدولة العلمانية التي أسسها الزعيم التونسي الشهير “الحبيب بو رقيبة”، والأمر ينطبق كذلك على ما حدث في مصر، إذ ما إن استحوذ الأخوان المسلمين على مقاليد الحكم في مصر، بدعم من جمهورهم الانتخابي وليس من غالبية المجتمع المصري، حتى قامت المؤسسة المصرية الرصينة، وبدعم من الشعب المصري وشرائحه المدنية بإزاحة الاخوان المسلمين وإعادة الامور إلى نصابها، ليتضح من ذلك أن طبيعة المجتمعات وثقافتها الجمعية، هي من تقرر طبيعة شكل الدولة ونمط الحياة، الذي يتلاءم مع ما تأسست عليه من قيم وعادات وتقاليد.