تاريخ زيارة قبر الحسين (ع) وفضلها
وسام الفرطوسي
أول من زار القبر الشريف
بعد واقعة الطف واستشهاد الإمام الحسين (ع)، أصبح الإحساس بالخيبة والندم مسيطراً على المجتمع الكوفي آنذاك بتركه نصرة الإمام الحسين (ع)، وقد كانوا هم الذين تسببوا في الفاجعة التي ألمَّت بعترة الرسول (ص) من دعوتهم الإمام (ع) بالقدوم عليهم، ثم تركه عرضة للرماح والسهام.
فكان ندمُ أهل الكوفة يتجلى في كثيرٍ من المواقف سواء بعد انتهاء واقعة الطف، أو بعدها بحين، فهرعوا إلى قبره يلتمسون التوبة، ويجددون العهد بالانتقام من القتلة.
وأول من زار مصارع الشهداء ووقف عليهم وبكى، هو عبيد الله بن الحر الجعفي الذي ندم على تركه نصرة الإمام الحسين، وندمه هذا يتجلى من خلال قصيدته التي رثى بها الإمام الحسين:
يا لك حسرة ما دمت حيا * يردد بين حلقي والتراقي
حسينا حين يطلب بذل نصري * على أهل العداوة والنفاق
مع ابن المصطفى نفسي فداه * فيا لله من ألم الفراق
غداة قول لي بالقصر قولا * أتتركنا وتزمع بانطلاق
فلو فلق التلهف قلب حي * لهم اليوم قلبي بانفلاق
فقد فاز الأولى نصروا حسينا * وخاب الآخرون أولوا النفاق
ثم زاره الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري في 20/ صفر، والتقى بالإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) في هذا المكان.
كما زاره التوابون وهم في طريقهم إلى عين الوردة، للتصدي لقوات عبيد الله بن زياد، فلما وصلوا إلى قبر الحسين (ع) صاحوا صيحة واحدة، فما رأى باكياً أكثر من ذلك اليوم، وجعلوا يدورون حول القبر مستغفرين نادمين:
“اللهم إنا خذلنا ابن بنت نبيك، وقد أسأنا وأخطأنا، فاغفر لنا ما قد قضى من ذنوبنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم إنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين”. حتى بلغ الحماس أشده، فانطلقت الألسن تمجد الحسين وتلعن قاتليه، فهبَّ رجلٌ منهم يدعى وهب بن زمعة الجعفي فوقف على القبر باكيا ثم قال:
“والله لقد جعله الأعداء للسيل عرضاً، وللسباع طمعاً، فلله يوم الحسين، لقد تمادروا منه يوم وافوه ذا وفاء وصبر وعفاف وبأس وشدة وأمانة ونجدة، ابن أول المؤمنين وبنت نبي رب العالمين، قلت حماته وكثرت عداته، فويل للقائل، وملامة للخاذل، إن الله تبارك وتعالى لم يجعل للقاتل حجة، ولا للخاذل معذرة، إلا أن ينصح الله في التوبة فيجاهد الفاسقين، فعسى الله عند ذلك أنْ يقبل التوبة ويقيل
العثرة”.
ثم أنشأ يقول:
تبيت نساء أمية نوما * وبالطف قتلى لا ينام حميمها
وما ضيع الإسلام إلا قبيلة * بأمر فزكاها ودام نعيمها
وعادت قتادة الدين في كف ظالم * إذا مال منها جانب لا يقيمها
فأقسم لا تنفك نفسي حزينة * وعيني مسفوحا لا يجف سجومها
حياتي أو تلقى أمية وقعة * ينال بها حتى الممات قروحها
ثم زاره المختار بن عبيد الثقفي عندما فارق عبد الله بن الزبير، ورجع من مكة، فلما وصل إلى القادسية عدل عنها إلى كربلاء، ثم اغتسل ولبس ثياب الزيارة، فلما دنا من القبر انكب عليه، معتنقاً له باكياً، ومجدداً له العهد للانتقام، وقتل من قتلهم وسفك دمائهم فقال:
“يا سيدي آليت بجدك المصطفى وأبيك المرتضى، وأمك الزهراء، وأخيك المجتبى، ومن قتل من أهل بيتك وشيعتك في كربلاء، لا أكلت طيب الطعام، ولا شربت لذيذ الشراب، ولا نمت على وطء الوهاد، وخلعت عن جسدي هذه الأبراد، حتى أنتقم لك من قتلك، أو أقتل كما قتلت، فقبح الله العيش بعدك”.
وقيل إنَّ مصعب بن الزبير لما توجه إلى عبد الملك بن مروان لقتاله، فلما بلغ الحيرة دخل فوقف على قبر أبي عبد الله (ع)، ثم قال: يا أبا عبد الله، أما والله لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك، ثم انصرف وهو يقول:
وإن الأولى بالطف من آل هاشم * تأسوا فسنوا للكرام التأسيا
فضل زيارة الحسين (ع)
لقد نال الإمام الحسين (ع) أعظم وسامٍ خصَّه الله سبحانه وتعالى لعباده المخلصين، وهو وسامُ الشهادة في سبيل رفع كلمة التوحيد ومحاربة الظلم والجور، ومن ذلك الحين تربع الحسين (ع) على عرش الشهادة ولم يدانيه أحدٌ، وسجل أعظم ملحمة من ملاحم البطولة والفداء في التاريخ، وشهدت كربلاء هذه الملحمة التاريخية التي لم يخبرنا التاريخ عن وقع ملحمة أعظم منها، ولم يخبرنا التاريخ أيضاً عن بطولة كبطولة الحسين (ع)، لقد شاهد أهل بيته وأصحابه يتهاوون صرعى على رمضاء كربلاء وهو قوي الجنان رابط الجأش، فحاز الإمام الشهيد (ع) منزلة الشرف والتقديس، حتى غدت كربلاء التي سال على رمضائها دم الحسين (ع) تضاهي بقاع العالم قدسية وشرفاً، وأصبحت مهوى لقلوب المسلمين، وغدا قبره الشريف (ع) وسام عزٍ وشرفٍ لكربلاء، وصار مسجده أفضل مسجدٍ أسّسَ على التقوى، ومشهده أشرف مشهد.
ولله در الشاعر دعبل الخزاعي حيث يقول في زيارة قبر سيد الشهداء:
زر خير قبر بالعراق يزار * واعص الحمار فمن نهاك حمار
لم لا أزورك يا حسين لك الفدى * قومي ومن عطفت عليه نزار
ولك المودة في قلوب أولي النهي * وعلى عدوك مقتة ودثار
لقد أصبح قبر الحسين (ع) محط أنظار المسلمين وكان لأهل البيت (ع) دورٌ بارزٌ في توجيههم وحثهم على زيارة القبر الشريف، وما لزيارته من فضل عظيم عند الله سبحانه وتعالى، ومن قبلهم كان رسول الله (ص) يخبر بفضل زيارته (ع) وأن زواره هم الصديقون من أمته، كما جاء عن أبي جعفر (ع) قال: “كان رسول الله (ص) إذا دخل الحسين (ع) اجتذبه إليه ثم يقول لأمير المؤمنين (ع): أمسكه، ثم يقع عليه فيقبله ويبكي، يقول: يا أبه لم تبكي؟ فيقول: يا بني أقبل موضع السيوف منك وأبكي، قال: يا أبه وأقتل؟ قال: إي والله وأبوك وأخوك وأنت، قال: يا أبه فمصارعنا شتى؟ قال: نعم يا بني، قال: فمن يزورنا من أمتك؟ قال: لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلا الصديقون من أمتي”.
وفي رواية ابن قولويه بسند عن أبي عبد الله (ع) قال: “كان الحسين بن علي في حجر النبي (ص) يلاعبه ويضاحكه، فقالت عائشة: يا رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي؟ فقال لها: ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به، وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني، أما إنَّ أمتي ستقتله، فمن زاره بعد وفاته كتب الله حجة من حججي، قالت: يا رسول الله حجة من حججك؟ قال: نعم وحجتين من حججي، قالت: يا رسول الله حجتين من حججك؟ قال: نعم، وأربعة، قال: فلم تزل تزاده ويزيد ويضعفه حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله (ص) بأعمارها”.
ومن حديث له (ص) مع ابنته الزهراء (ع) عندما أخبرها بمقتل فلذة كبدها الحسين (ع) وبكت قال لها من جملة ما قال: أما ترضين أنْ يكون من أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله الحرام واعتمر، ولم يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإنْ بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا.
فكان الرسول الكريم (ص) يصف زوار الحسين بالصديقين من أمته، ومرة أخرى يعدُّ زيارة الحسين (ص) تعادل تسعين حجة وعمرة من حجج رسول الله (ص)، وإذا مات زائر الحسين مات شهيداً، عن ابن عباس عن النبي (ص) في حق الحسين (ع): “يا ابن عباس من زاره عارفاً بحقه كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، ألا ومن زاره فكأنما زارني، ومن زارني فكأنما قد زار الله، وحق الزائر على الله ألا يعذبه بالنار”.
أحاديث الأئمة عن زيارته “ع”
هذه منزلة الحسين (ع) عند رسول الله (ص)، ورسول الله (ص) لا ينطق عن الهوى، ثم جاء ولده الأئمة من بعده بكشف الحجاب المرخى على فضائل هذا القبر الشريف، فقال المرحوم الدكتور جواد الكليدار عن هذا المعنى: “ولذلك جاءت الأحاديث عن الأئمة وكلها ناطقة بهذا المعنى، فجعلوا لزيارة بطل الإسلام الشهيد ابن الشهيد أبي الشهداء، وزيارة مرقده الخالد مناسك مثل ما لحج بيت الله الحرام، لأنَّ الزائر بحضرته أمام شخصية إسلامية عظيمة لم تمت بمنطوق الآية الكريمة: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون).
حتى أصبحت زيارة الحسين فرضاً على كل مسلم، فالتزم بها الشيعة بشكل دقيق، وهم ينصتون للإمام الباقر (ع) يقول: “مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع)، فإنَّ إتيانه مفترضٌ على كل مؤمنٍ يقرُّ للحسين بالإمامة من الله عز وجل”.
من هنا أصبحت زيارة الحسين فريضة على كل من يقرّ للحسين (ع) بالإمامة، وكان عارفاً له حقه وحرمته وولايته، أما الجاحدون لأهل البيت (عليهم السلام) فهم خارجون عن شرط الزيارة، ففي حديث هارون بن خارجه، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): “إنهم يرون أنَّه من زار الحسين كانت له حجة وعمرة؟ قال: ومن زاره - والله - عارفا بحقه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”.
وعن مولانا موسى بن جعفر الكاظم (ع): “أدنى ما يثاب به زائر أبي عبد الله (ع) بشط الفرات إذا عرف حقه وحرمته وولايته، أنْ يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”.
وفي حديث الوشاء، قال: سمعت الرضا (ع) يقول: “إنَّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنَّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً لما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة”.
وكان الإمام الصادق (ع) يصرح بثواب زيارة الحسين (ع) بقوله: كمن حج ثلاث حجج مع رسول الله (ص).
الإمام الصادق (ع) وزوار القبر الشريف
أصبحت الشيعة في عهد الإمام الصادق (ع) تأخذ منحى جديداً سواء من الناحية الفكريَّة أو العدديَّة، خصوصاً في نهاية الدولة الأمويَّة وبداية الدولة العباسيَّة، وقد استطاع الإمام الصادق (ع) وهو القائد الروحي للشيعة أنْ يوجه أصحابه نحو المسار الصحيح الذي يتبناه أئمة الهدى (ع) في تطبيق الشريعة المحمدية الأصيلة، بعيداً عن الزيف والانحراف الذي أخذ يدبّ في أوصال الأمة عند ولادة المذاهب التي انحرفت عن مسار أهل البيت (ع) وكانت بتشجيع من حكام السوء.
ففي هذا الجو المشحون بالمتناقضات كانت الشيعة تلتف حول قيادة الإمام الصادق (ع) يأخذون عنه الحديث، ويدونون الرواية، ويستفسرون عمَّا أشكل عليهم من أمورهم الدينية، ومنها الأسئلة التي تدور حول فضل وثواب زيارة قبر سيد الشهداء (ع).
ففي رواية هشام بن سالم قال: أتيت الإمام الصادق فقلت له: يا ابن رسول الله هل يزار والدك؟ قال: نعم ويصلى عنده، قال: فما لمن تركه رغبة عنه؟ قال: الحسرة يوم الحسرة، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: وكل يوم بألف شهر، قال: فما للمنفق في خروجه إليه والمنفق عنده؟ قال: درهم بألف درهم، قال: فما لمن مات في سفره إليه؟ قال: تشيعه الملائكة وتأتيه بالحنوط والكسوة من الجنة، وتصلي عليه إذا كفن فوق أكفانه، وتفرش له الريحان تحته، وتدفع الأرض حتى تصور من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال، ومن خلفه مثل ذلك، وعند رأسه مثل ذلك، وعند رجليه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنة إلى قبره، ويدخل عليه روحها وريحانها حتى تقوم الساعة.
قلت: فما لمن صلى عنده؟ قال: من صلى عنده ركعتين لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، قلت: فما لمن اغتسل من ماء الفرات، ثم أتاه؟ قال: إذا اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه، قال: قلت: فما لمن يجهز إليه ولم يخرج لعلة تصيبه؟ قال: يعطيه الله بكل درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفقه، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل يدفع عنه، ويحفظ في ماله.
قال: قلت: فما لمن قتل عنده، جار عليه سلطان فقتله؟ قال: أول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة، وتغسل طينة التي خلق منها الملائكة حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيماناً فيلقي الله وهو مخلصٌ من كل ما تخالطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه، وتولى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت، ويؤتي بكفنه وحنوطه من الجنة، ويوسع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له باب من الجنة، وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلى حظيرة القدس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئاً، فإذا كانت النفخة الثانية وخرج من قبره كان أول من يصافحه رسول الله (ص) وأمير المؤمنين والأوصياء (ع) ويبشرونه ويقولون له: ألزمنا، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي من أحب.
قلت: فما لمن حبس في إتيانه؟ قال: له بكل يوم يحبس ويغتم فرحة إلى يوم القيامة، فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكل ضربة حوراء وبكل وجع يدخل على بدنه ألف ألف حسنة، ويمحى بها عنه ألف ألف سيئة، ويرفع له ألف ألف درجة، ويكون من محدثي رسول الله (ص) حتى يفرغ من الحساب، فيصافحه حملة العرش ويقال له: سل ما أحببت، ويؤتى ضاربه للحساب فلا يسأل عنه شئ ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضبعيه حتى ينتهي به يحبوه ويتحفه بشربة من الحميم، وشربة من الغسلين، ويوضع على مقال في النار، فيقال له: ذق ما قدمت يداك فيما أتيت إلى هذا الذي ضربته، وهو وفد الله ووفد رسوله، ويأتي بالمضروب إلى باب جهنم فيقال له: انظر إلى ضاربك وإلى ما قد لقي فهل شفيت صدرك، وقد اقتصَّ لك منه؟ فيقول: الحمد لله الذي انتصر لي ولولد رسول الله منه”.
تشييد البناء على القبر
ويرى بعض المؤرخين أن المختار بن أبي عبيدة الثقفي هو الذي قام بتشييد البناء على القبر واتخذ له قرية من حوله. ومهما يكن من الأمر فإنَّ البناء قد ظهر في الفترة التي حدث فيها انفراج نسبي للشيعة، أي منذ فترة موت يزيد المفاجئ، وهروب عبيد الله بن زياد من العراق، وحتى تولي المختار قيادة السلطة في الكوفة، ثم فترة ما بعد المختار، أي في عهد ولاية مصعب بن الزبير على العراق، نعمت الشيعة بنوع من الحرية، أتاح لها زيارة القبر الشريف لسيد الشهداء (ع)، وبقي هذا البناء طيلة الحكم الأموي وإلى قيام الدولة العباسية، كما يظهر من رواية صفوان الجمال، عن الإمام الصادق (ع)، أنه قال: “إذا أردت قبر الحسين في كربلاء، فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر، ثم ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس، ثم اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (ع)، ثم توجه إلى الشهداء، ثم امش حتى تأتي مشهد أبي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلم”.
نستدل من هذه الرواية بأنه كانت على القبر الشريف قبة، وعلى قبر أبي الفضل العباس سقيفة وباب، للولوج إلى داخل السقيفة. ولصفوان الجمال أيضاً حديث عن الإمام الصادق (ع): “إذا أردت زيارة الحسين بن علي، فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة، وارم بطرفك نحو القبر (وقل) ثم ادخل اليمنى وأخر اليسرى، ومن ثم ادخل الحائر وقم
بحذائه”.
وفي رواية الحسن بن ثور بن أبي فاختة، عن الإمام الصادق (ع) من حديث طويل حتى قال: “إذا أتيت أبا عبد الله فاغتسل على شاطئ الفرات ثم البس ثيابك الطاهرة، ثم امش حافياً، فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله، وعليك بالتكبير والتهليل والتمجيد والتعظيم لله كثيراً والصلاة على محمد وأهل بيته، حتى تصير إلى باب الحائر، ثم تقول: “السلام عليك يا حجة الله وابن حجته، السلام عليكم يا ملائكة الله وزوار قبر ابن نبي الله، ثم أخط عشر خطى ثم قف فكبر ثلاثين تكبيرة”.
يستفاد من هذه الروايات، على وجود بناء على الحائر الحسيني في زمن الإمام الصادق (ع) المولود سنة 80 ه والمتوفى سنة 140 ه، وقد توصل العلامة الشعراني على أنَّ الحائر في تلك الفترة أعظم من الحائر الحالي فقال: “المستفاد من هذا الحديث أن الحائر كان أعظم من الحرم الحالي - أعني: تحت القبة والرواق الواقع على أطرافه -، وذلك لأن الفاصلة بين الباب وما يقف فيه الزائر حول القبر الشريف كان أكثر من عشر خطوات، والضلع الجنوبي من جدار الحائر، وإلا لوجب بأنك تدور أو تطوف أو تحول حتى تأتيه من قبل وجهه، لكن اكتفى بقوله امش حتى تأتيه”.