التفاؤل لدى علماء الاجتماع الأميركان

آراء 2023/08/26
...

 وليد خالد الزيدي    


تجاهلت الولايات المتحدة ما يمكن ان يحدث مستقبلا في كوكب الارض حينما ذهبت باتجاه نظرة الدعة والتفاؤل التي رسمها منظرو علم الاجتماع الأميركي في ستينيات القرن الماضي بدخول المجتمع فترة ما بعد الحربين العالميتين، في مسعى لتصوير الأمة الأميركية لنفسها وللعالم على أنها تقف في قمة الهرم وأعتاب مستقبل زاهر، وانبثاق اجواء موجة، ركبها هؤلاء المنظرون والسيطرة على المؤسسة الأكاديمية الأميركية، فبعد ذكريات الأزمنة الصعبة وما رافقها من الوان الفقر والحرمان والحرب والضحايا واذى لقطاعات اجتماعية واسعة وتسببها بكبت نفسي جماعي، لكن صعود نظرة التفاؤل ونمو أميركا عالميا اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا اثر حروبها العبثية شرقا وغربا ساعدتا على كبت تلك الذكريات ونسيان سلبياتها وارتفاع دخول ومعدلات استهلاك الفرد العادي واحساسه بالفخر والعزة القومية.

منظرو التفاؤل المزعوم صبغوا المناخ العام بإدراك وهمي لغياب المشكلات الكبرى، حتى تجاهلوا تنامي القوى العالمية الاخرى والانصراف للامور الشخصية ليضفون الواقع المفتعل صفات حقيقية، ومن أبرزهم (مارتن لبست) الذي دعا إلى نهاية مهاجمة النظام السياسي الأميركي، باعتباره أنموذجا مثاليا و(دانيال بل)، الذي ذهب إلى تغلب المجتمع الأميركي على كل مشكلاته ولم تعد هناك حاجة لصياغة أيديولوجيات اخرى أو التصارع بينها والعالم الاقتصادي (والت روستو)، الذي بين أن المجتمع الأميركي بلغ عصر الاستهلاك الجماعي المرتفع، وحدد المشكلة فقط بـ(الملل) وعدم وجود تحديات سواها ولمح لحل المشكلة ببدائل، منها كثرة إنجاب الاطفال وقهر الفضاء والحرب كهواية وبالفعل انعكست تلك النظريات على مجمل صور وصياغة سياسات أميركا إلى اليوم، ما أفقدها صفة التقارب مع بقية الشعوب وقصور قراءات واقع تنامي قوى أخرى، لا سيما روسيا والصين والهند واليابان والكوريتين، فضلا عن دول اخرى ترى في مصالح شعوبها الابتعاد عن المعسكر الغربي بمحوريه اميركا وبريطانيا، لتحقيق توزان سياسي ـ اقتصادي مستقر ودائم.

العالم اليوم يتجه إلى عصر التحالفات، استنادا لمبدأ الجغرافية السياسية (الجيوبولتك)، الذي يرابط العلاقات الجغرافية بالوحدات السياسية والموارد البشرية حيث الاقتصاد الدولي، يمر بمحن ومشكلات، فالأزمة المالية تضرب شرقا وغربا وأزمات الغذاء والموارد المائية وتوزيعها غير العادل والطاقة والوقود والاحتباس الحراري والتنافس على المواد الاولية للصناعات، وكلها أضحت عوامل مشروعة لحراك جديد، بعيد عن طروحات التفاؤل والعيش في النعيم الذي جعل أميركا تحتفظ بقواعد عسكرية متفرقة في العالم، بينما هناك عمل دؤوب ومتصاعد من تفاهمات دولية لتجارة وطرق برية وبحرية بين أطراف لها أثر كبير في تغيير موازين القوى في العالم، لا سيما التقارب بين الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى (اوزبكستان طاجيكستان قيرغيزستان وتركمانستان) كحلقة لربط روسيا وشرق البحر المتوسط من جهة وشرقي آسيا، كالهند والصين واليابان من جهة ثانية، والذي تسعى أميركا لعرقلته بكل الوسائل.