خدماتٌ واستحقاقات وطنيَّة

آراء 2023/08/27
...

  عباس الصباغ

لا يضيف جديدا من يقول إن ملف الخدمات والبنى التحتية المرتبطة بها ساهم بشكل كبير في زعزعة ثقة الشارع العراقي بمن تصدى للأمور ولجميع الحكومات المتعاقبة، ووصول شعبية تلك الحكومات إلى درجة متدنية جدا، وهو أحد أسباب اندلاع تظاهرات تشرين المليونية المباركة، أملا في تغيير الحال وفي جميع المجالات التي تصب في رفاهية الشعب العراقي ونيل استحقاقته التي غبن فيها لعقود طوال.
تقديم الخدمات هو استحقاق جماهيري، وواجب على الحكومة (اي حكومة كانت) في ذات الوقت، وليس شعارا انتخابيا أو مادة للاستهلاك الاعلامي، فلأول مرة طرحت هذه الفكرة ضمن البرنامج الحكومي للسيد السوداني، الذي أعلن عن توجه حكومته بأنها حكومة خدمات (خدمية)، ولو أن التنفيذ جاء بطيئا لثقل المهام الملقاة على عاتقه وجسامة التكاليف المناطة به والارث المزمن والمتراكم من سلسلة التأسيسات الدولية الفاشلة، والأخطاء الحكوماتية المتلاحقة، والتي دفع الشعب العراقي بجميع ألوان طيفه الثمن باهظا من سعادته وفرص تطوره وازدهاره وأمنه، لذا لم يكن طريق حكومة السيد السوداني معبّدا وسالكا أو مفروشا بالزهور، لأنه ورث تبعات كوارث اخطاء جميع الحكومات المتعاقبة السابقة، سواء لما قبل التغيير النيساني أو لما بعده، فهو يحتاج إلى اكثر من عصا سحرية أو أكثر من معجزة لتعويض تلك السنوات العجاف.
 واقعا ـ وبحسب رأيي ـ ليس من الصحيح أن توصف أية حكومة في العالم بانها حكومة خدمات، كون الخدمات تأتي من صلب أولويات مهام الحكومات في كل زمان ومكان، ومن أول واجباتها تجاه شعوبها، وليس منة أو فضلا أو كرما، وكما يرد في الكثير من وسائل الاعلام العراقية بجميع أشكالها ذكر انجاز مشروع ما أو المباشرة بمشروع معين بشيء من التهليل والاكبار والاعجاب، كأن ما تنجزه من مشاريع شيء ملف للنظر أو مكرمة منها لشعب انتظر تلك الخدمات لعقود طوال بعد أن حرم منها، في حين أن أبسط دول العالم، ومنها دول الجوار تتمتع بها كاستحقاق وطني واجب على حكوماتها، فالدول المتقدمة خاصة دول العالم الاول أو الثاني من المعيب أن تنشر أخبار تلك الخدمات أو المشاريع، لأنها تقوم بواجباتها الوطنية المكلفة بها تجاه شعوبها، اما دول العالم الثالث (ومنها العراق)، فتقوم الدنيا ولا تقعد عند المباشرة بأي خدمات، أو حتى لمجرد طرح الفكرة على الملأ وتعد ذلك فتح الفتوح.
لذا نأمل من حكومة رئيس الوزراء السيد السوداني أن يعمل بصمت، ويجعل أعماله تتكلم، بدلا عنه بدون ضجيج أو تهليل اعلامي أو تسويق دعائي، فالمهام طويلة وعريضة، لها أول وليس لها آخر، تبدأ من تحسين الواقع المعيشي (المادي) للمواطنين ولا تنتهي بتحسين الواقع الخدماتي لهم، كالكهرباء والماء والمعالجة الفورية لمسائل التصحر والجفاف، اضافة إلى المعالجات البيئية وتوفير مستلزمات الواقع الصحي والتربوي والأمني، فضلا عن تحسين الواقع الاقتصادي، وهو الأهم وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وتنويع مصادر الدخل القومي.