صناعة الوعي

آراء 2023/08/27
...








 حسب الله يحيى

نعم.. الوعي صناعة، صناعة يشترك فيها كلا الابوين، مثلما يشترك فيها المجتمع والشارع والمقهى ومكان العمل والروضة والمدرسة والكلية و.. كذلك اجهزة التواصل الاجتماعي.
هذه الصناعة، نحن غافلون عنها تماما.
فهناك تجاذب بين الابوين، وتناقض بين البيت والمدرسة والشارع والموبايل.
حتى يكاد المرء سواء كان طفلا، شابا، شيخا.. الكل يحسون بهذه التجاذبات في صناعة وعي الانسان.
الكتاب والصحيفة، أصبحا في غياب عن الأيدي الا في القليل النادر.. وهذه الندرة تسبب خسائر كبيرة في تغييب الوعي.
نعم.. هناك بدائل، لكنها بدائل يحسن بكل واحد منا أن يميزها، مثلما يميز التمرة الناضجة، عن التمرة التالفة..
فمن له القدرة على التمييز، يمتلك الوعي ولا خشيه عليه، أما من كان يرى (الحرية) على قدر ما يرى ويعمل ويتعاطف - ولا اقول يفكر- فإنه يغيب عن نفسه وعقله وروحه وقلبه..
إذن الامر يتطلب التوجيه.. بمعنى صناعة الوعي في ابنائنا ومن حولنا.
فالطفل الذي لا يرى الحنان والعطف والألفة من ابويه ولا من معلميه ولا من اصدقائه.. يمكن أن يصبح فتيلا لاشعال الحرائق إزاء نفسه وازاء من حوله.. وفي احسن الاحوال لا يصغي إلى توجيهاتهم ونصائحهم.. بل يعدها تدخلا في شؤونه وضغطا على حريته وقبولا مفروضا عليه ويريد الانفلات بكل الطرق المتاحة.
هذا الوعي الغائب، يقود إلى الكذب ومن ثم إلى الفساد والوقوع في الرذيلة ومن ثم يختار الطرق الملتوية والحياة السلبية التي يكون فيها المرء قد خسر حياته ومستقبله، وأصبح رقما كسولا، يتخفى امام كل حقيقة وامام كل منطق وامام اي تصور حقيقي
للوعي.
الابوة.. لها السبق في صناعة الوعي، والمدرسة استكمال لنهج الابوين، حتى تحسن المرء وتربيه وتعلمه، بينما تتمكن الابوة من معرفة الشارع وتفاصيله والعمل كذلك وحتى من هذا الجهاز النقال.
اما.. وقد انصرف كل من الابوين إلى وجهته وعمله، وتركا للابناء حرية أن يشغلوا أنفسهم بأجهزتهم النقالة من دون اي يعرفا بما جرى وما سمعا وما رأياه.. انهم يضعون لبنة أولى هشة، وهي عرضة للانكسار في اية لحظة.
وهذا الحال، من شأنه أن يجعل التعليم في حالة اخفاق هو الاخر، خاصة أن هذا التعليم قد أصبح في حياة أبنائنا مجرد معلومات للحفظ والتلقين، من دون حث الطالب على التفكير واكتساب الوعي عن طريق المراجعة الذهنية المتأنية.
اما الشارع.. فعليه الكثير من السلبيات، خاصة اذا ما ارتدى ثوب العفة والكمال والصدق وأدى عكس ذلك كله تماما.
الشارع.. تنوع قيم وانماط سلوك.. فكيف يمكن للمرء أن يميز بين الحنطة والزؤان؟.
كل هذا يحتاج إلى صناعة وعي.. صناعة انسان يدرك ما له من حقوق وما عليه من واجبات.
انه ليس متلقيا للمأكل والمشرب والنوم، وفي احسن الاحوال متلقيا للدراسة وليس لسواها.. فإذا هو يخفق ولا يكتسب من الزمان زمانا، ولا من المكان مكانا يفترض أن يكون على وعي بتفاصليهما.
هنا يغرق في الجهل والغفلة وسوء التقدير، ويصبح عالة على المجتمع الذي ننشد فيه الفضيلة والبناء والتفكير في رؤى مستقبلية سليمة.
إذاً.. صناعة الوعي؛ صناعة تبدأ مع الأنفاس الأولى للطفل وتصاحبه طوال عمره، وتتواصل معه في كل المواقع والميادين والأماكن والأزمنة.
الوعي.. لا ينقطع ولا يتوقف ولا يغيب أبدا، ذلك انه كلما تطورت التقنيات الصناعية؛ تطورت إلى جانبها اساليب صناعة الوعي..
هذه الصناعة التي تتفاعل وتتنوع وتتواصل مع الانسان منذ بدء حياته، ويعول عليها وفيها كل فرد من افراد المجتمع على حسب امكاناته ووعيه وارادته، شرط أن تخضع للمنطق وللحق وللعدل والخطى السليمة التي تبني الفرد والمجتمع على حد سواء.. فالمواطنة هي الاساس في مفردات صناعة الوعي، واكتساب الخبرات والتجارب في ادوات ومفردات هذه الصناعة المطلوبة والقابلة للتطور دوما، ذلك ان الحياة نفسها في تغير وتتطلب اكتساب المزيد من الوعي، والمزيد من إرادة الانسان في أن يعرف شيئا عن كل شيء، وأن يكون له حضور ووعي ونباهة كلية ازاء كل ما يمر به.. فهكذا يتطلب الوعي وصناعته.