سينما زبيدة ذكريات وقصص طريفة

ثقافة 2023/08/28
...

علي حمود الحسن
لا أنسى يوم اصطحبني والدي في أواخر ستينيات القرن الماضي إلى منطقة الفحامة في كرخ بغداد، لزيارة صديق له يتشارك معه ذكريات فوج موسى الكاظم، فهما من أوائل جنوده، احتفى بي أولاده وأكرموني بزيارة سينما زبيدة التي لا تبعد كثيراً عن بيتهم، بهرتني وأنا ابن عشرة أعوام، وتمتعت برفقتهم، لا أذكر الفيلم يومذاك، لكن طعم "العنبة" اللاذع، ما زلت أتحسس مذاقه كلما مر ذكراها، السينما التي شيدها المحامي عبد الجليل البحراني أوائل الستينيات لا توجد الكثير من المعلومات التوثيقية عنها على الرغم من حداثة تأسيسها، ربما لأنها محلية وموغلة في المناطقية، فمعظم جمهورها من منطقة الدوريين والجعيفر والفحامة، وجنود عابرون يكتنزون ذكريات مفاتن جميلات السينما لأيام الجندية ولياليها

الطويلة.

تعاقب على إدارة سينما زبيدة ثلاثة مدراء، هم أبو عدنان، وناصر أبو جمال، وآخرهم قيس السعدي الذي استمر بإدارتها حتى إغلاقها في العام 1980، وبحسب ضياء الخفاجي، فقد عاون هؤلاء المدراء مجموعة من العاملين أبرزهم: البواب صبري، وأبو قاسم، والشرطي كاظم أبو شوارب، وعجوب ومخلف، ومعين بائع "البيبسي"، ولأن سينما زبيدة شكلت مع دور عرض أخرى شهيرة في الكرخ على شاكلة سينما "بغداد"، و "ريجنت"، ملاذاً لمسرات أهالي الكرخ، لاسيما تلك المحال والمناطق القريبة منها، لذا انتشرت المقاهي  والمطاعم حولها وقبالتها، فضلاً عن محال أخرى تبيع "الكرزات"، و"السجائر"، والمشروبات الغازية، منها:  مقهى كاظم بربوت، ومطعم عزيز أبو "الكبة"، ورضا أبو "الشربت".

السينما التي تقع قبالة ضريح المتصوف البغدادي معروف الكرخي، تحولت إلى أثرٍ بعد عين - صارت دكاكين وكراجات لتصليح السيارات وبيع أدواتها الاحتياطية- شهدت عروض أفلام الكابوي، والهراقل، والأفلام العربية، والهندية التي غالباً ما يفضلها الجمهور العراقي على غيرها، خصوصاً أيام العيد، إذ لا ينسى فائق المشهداني(من أهالي المنطقة) الذي لا يبعد بيته كثيراً عن السينما، كيف كان يرتادها مع أبناء المنطقة أيام الجمع لمشاهدة فيلم كابوي لكاري كوبر، أو لطرزان و"شيته" المرحة، ويضيف المشهداني: "كان هرقل الجبار بطلنا المتوج، وفريد شوقي "أخو اخيته" وإسماعيل ياسين "اجبينة"، وكم قلدنا "كصة" شامي وشاشي كابور وطريقة لبسهم، بل وحركاتهم".

  زخرت سينما زبيدة بالحكايات والقصص الطريفة، أشهرها تداولاً ما رواه الباحث سعد التكريتي الذي قال: "مرة كنا منهمكين في مشاهدة فيلم كابوي، فدخل السينما ساهر أبو "الجكاير"، وهو شخصية شعبية محببة، بصحبة عشرة أطفال، لم يستمر الوقت طويلاً، حتى أضيئت الأنوار في الصالة، ودخل رجل وشرطي يبحثان بين الحضور إلى أن وصلوا إلى المكان، الذي جلس فيه ساهر فصاح الرجل (هو هذا أبو إسماعيل) بعدها عرفنا أنه استأجر دراجة من الرجل وباعها في سوق الهرج ودفع للأطفال تذاكر السينما".