سناء الوادي
هل سينهي التكتل الاقتصادي الصاعد بقوة في الأوساط الدولية هيمنة الدولار، ومن خلفه سطوة بلاد العم سام على الدول النامية؟.
سؤال تتداوله جميع وسائل الإعلام في اليومين الماضيين، ويناقشه المحللون السياسيون وخبراء الاقتصاد باهتمامٍ بالغ، كيف لا وقد أُعلن عن قبول انضمام قطبي العالم العربي مصر والسعودية إلى جنباته، إضافة إلى إيران والأرجنتين وإثيوبيا، ومما لاشك فيه أن المملكة العربية السعودية وعلى اعتبارها عمود اتفاقية البترودولار، التي أسهمت بترؤس أميركا على عرش العالم، منذ سبعينيات القرن الماضي، بدخولها هذا التحالف قد تميل ميلاً كبيراً نحو شركاء المصالح، على النقيض من الطرف الآخر الأمريكي – الغربي، خاصة أنَّ من أول الأهداف المعلنة للبريكس التعامل بين الأعضاء بالعملات المحلية مما يهمش تريليونات الدولارات من التداول في السوق
العالمية.
ولو قلبّنا في ذاكرة التاريخ الغابرة إلى القرن ما قبل الماضي، لرأينا أن إحكام السيطرة كان بيد المملكة البريطانية، لتتسلم في ما بعد التاج الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي كانت بدورها تدهس أي محاولة لصعود دولة قد تنافسها على مركزها القيادي، ومن اللافت أيضاً شهود القرن الماضي بداية التكتلات بشكلها السياسي فقط كحلف وارسو والناتو «حلف شمال الأطلسي» بينما يشهد القرن الحالي بروز التكتلات بشكلها الاقتصادي كمجموعة العشرين الكبار ومجموعة السبع، وبعض المنظمات الإقليمية التي تجمع دولاً متجاورة في ما بينها كمنظمة شنغهاي وغيرها الكثير، لكن بالرغم من وجودها فهي حتى اللحظة لم تشكل قلقاً لواشنطن، بيدَ أنّه ومع متابعة الإعلام الغربي على اختلاف اتجاهاته، بات ملحوظاً للجميع مدى الاستفزاز، الذي يعيشه الغرب من تكتل اقتصادي بشكله ومنهجيته وأهدافه يكبر شيئاً فشيئاً ليمتدّ إلى مناطق النفوذ الحيوية، التي تتغذى عيها طفيليات الدول الكبار وتتمتع بتبعيته المطلقة منذ أعوام عديدة، ما يعني لها سحب البساط من تحت قدميها ويفاقم شعورها بأنها باتت تقف على أرضية رخوة، وما يعني أيضاً وجود تكتل للمرة الأولى يحوي بين ظهرانيه الشرق والجنوب من العالم في سابقة، تسهم بترسيخ نظام جديد يهدف للعدالة والتنمية ويحقق المنفعة المتبادلة لجميع
الأعضاء.
هذا ويلامس الشعور الأمريكي ما يجري في الواقع من قبول دول البريكست لهذه الدول الست من بين ثلاث وعشرين آخرى، قد أبدنت الرغبة بالانضمام إليه لتمثل هذه الدول شعرات قد يقصمن ظهر واشنطن بلا رحمة، ولو تمحصنا في أسباب الترحيب بالدول التي تجمعها الخلافات والاضطرابات منذ زمن طويل كالسعودية وإيران ومصر وإثيوبيا، لوجدنا أن العامل الاقتصادي مثل حجم الناتج المحلي والثروات الطبيعية والموقع الستراتيجي والجغرافي والتعداد السكاني، لم يكن فقط هو الأساس الذي أخذته البريكست بعين الاعتبار، بالرغم من أهميته البالغة، بل لعبت الاعتبارات السياسية بقوة فالجمع بين المتناحرين في تكتل واحد، قد يلزمهم بتصفير المشكلات الخلافية الحدودية والمائية، والمثول لرغبة التكتل بإيجاد الحلول، التي من شأنها أن تحقق الأهداف العامة له بالنهضة والعدالة وتنويع الأقطاب، من جهة ثانية وإذا
ما نجحت دول البريكست، بذلك فهي بالحقيقة إفشال لمساعي واشنطن الحثيثة بزرع الفتن وتغذية الفروقات والتي تضمن لها سيادة الموقف في الشرق الأوسط وإفريقيا عن طريق إضعاف هذه الدول، ناهيك عن أن إيران ستضع هدفاً محققاً في مرمى العقوبات الغربية المفروضة عليها عندما تفتح لها أسواقاً جديدة تتبادل فيها بالعملات المحلية دون الحاجة للكم الهائل
من أرصدة الدولارات المجمّدة وذات السيناريو ينطبق على الأرجنتين التي تعاني من عجز في سداد الديون، والتي سيعمل معها البريكست على تجاوز هذا الموضوع، وبالتالي سيكون لدول الشرق الكبار الصين وروسيا ذراع فاعل في جنوب أميركا، لا سيما أنّها مورد الليثيوم الأول عالمياً، وهو ما تحتاجه بكين في حرب الرقائق الاليكترونية مع واشنطن، ولا يقل انضمام الإمارات العربية المتحدة أهمية عن سابقاتها، فكمّ الثروات والاستثمارات وحجم السوق التي قد تخسره الغرب لصالح الأعضاء في البريكست يشكل فعلياً ضربة موجعة
لهم.
مما لاشك فيه أن التحديات القادمة أمام هذا النموذج الصاعد كبيرة وقاسية، من أبرزها تنوع الأيديولوجيات ونظام الحكم بين الأعضاء على خلاف غير تكتلات، كالاتحاد الأوروبي أو مجموعة السبع....الخ، وهو الوتر الحسّاس، الذي ستحاول أميركا اللعب عليه لإفشال كل مخططات مؤسسي البريكست، فهل سيؤثر المسار الاقتصادي في السياسي ويرخي بظلاله في التقارب بين الدول ويجمعها لتحقيق
المصالح؟.