قصص قصيرة جداً

ثقافة 2023/08/29
...

 رحيم رزاق الجبوري

مَشهدٌ  
كثيرًا ما اُتُّهِمَ بفضولِهِ وفجاجةِ تصرُّفاته، لكنّهُ أصرَّ على معرفةِ كُلِّ شيءٍ. ظلَّ يسترقُ النّظر، يتدافعُ مع الآخرين لمعرفة شيءٍ لطالما تمنَّى رؤيته؟لمْ يُفلَحْ في ذلك.
اِنسحبَ قليلًا إلى الخلفِ، استعانَ بحجرٍ كبيرٍ، ليرفعَ من منسوبِ طولهِ!
لمْ يقوَ على إكمالِ ما رأتهُ عيناه.
همسَ بأُذُنِ أحد الواقفين قُربه، قائلًا:  
أهكذا يُغسّلون الأموات؟!

وَجعٌ
 استلقتْ على الأريكة؛ شعرتِ بالخوفِ...
كانتْ مُضطرَّة لفعلِ ذلك بعد شجارها مع زوجها، وخروجها غاضبة.
اقتربَ منها؛ رفعَ بيديه طرفًا من ثوبِها؛ أصبحتْ شِبه عارية؛ أغمضتْ عينيها.
أكمل ما يُريدُ فِعله؛ قامتْ ودموعها على خدَّيها...
قالَ لها:
ــ اطمئِنِّي سيّدتي... جنينُكِ بخيرٍ، ولمْ يتأذَّ مِنْ ركلاتِ زوجكِ؟

حَربٌ
 على صوتِ وقوع القذائف فزَّ مذعورًا من نومهِ؟
كانتِ الحرب مُستعرةً، وحامية الوطيس...
شعرَ بخوفٍ وهلعٍ، مع قشعريرةٍ أصابتْ جسده. أمسكَ جوَّاله، اتّصلَ بخطيبتهِ ليُبلغها حُمّى الاشتياق.
كُلّ خطوط الهاتف مُعطَّلة، كما الحياة أيضًا؟
كانَ يأملُ بأن تضعُ الحربُ أوزارها...
ترجّاهم كي يمنحوه إجازة قصيرة ليُدخلَ القفص الذَّهبيّ.
رفضوا طلبه بحجّةِ أنَّ البلدَ يحتاجُ لخدماتهِ؟
من بعيدٍ أتت مُنحة العدُو: نورًا، وهَّاجًا، مصحوبًا بصفيرٍ يخترقُ الأجواء؟
زُفَّ باكرًا إلى حبيبتهِ جُثّة ملفوفة بعلمِ بلادهِ.

حِرمانٌ
 لعشراتِ المرَّات، هو الوحيد الّذي يرفعُ يده، ويصيحُ بأعلى صوتهِ:
ــ (ست، ست، ست).
تجاهلته، ولمْ تلتفتْ إليه، كأنّها لا تراه؟
كانَ متعطّشًا جدًّا للمشاركةِ مع بقيّة أقرانه، لولعهِ الشّديد، وكذلك معرفتهِ بكُلِّ ما يُطرَحُ من أسئلةٍ.
من بعيدِ صاحَ عليه حارس المدرسة:
ــ ابتعدْ، أيُّها الصُّعلوك عن نافذةِ الصّفِّ، ولا تلوّثها بيديكَ الوسختين، هذا المكان ليس لأمثالك؟  
أخفضَ يده، رفعَ صندوقه الخشبيّ، سَقطتْ إحدى فُرشاة الأحذية على الأرضِ، ومعها سقطَ سيلٌ من دموعهِ.
حِوارٌ
ــ الحفيد: جدّي ما هذا الشّيء الّذي فيه قبضتان؟ أحداهما خشبيّة، والأخرى حديدٌ صلد ملتوية إلى الأمام.
ــ الجدّ: أين شاهدتَ ذلك الشّيء؟
ــ الحفيد: في المتحف.
ــ الجدّ: إنَّها آلة تفنَّن في صناعتها الإنّسان، وأبدعَ في استعمالها.
ــ الحفيد: أنا توّاقٍ لرؤية ذلكَ الإبداع، هل لكَ أن تُحدّثني عنه! صمتَ الجدّ للحظاتٍ، وطأطأَ رأسه للأرض، بعد أن أحمرّتْ عيناه ودمعتْ.. لتنهالَ على ذاكرته المُتّخمة بالحُزن والأسى، وتستعيدُ صورًا بشعة خلّفتها الحروب.وبينما كانَ يتصفُّحُ تلك الصُّور من تهشُّمِ الرّؤوس، وتمزُّق الأجساد، وتفسُّخ الجُثث، ودفن الإنسان تحت الأرض حيًّا؟ إلى تفخيخه جسدًا وعقلًا...
فزَّ مرعوبًا من نومهِ إثر سماعه صوت إطلاقٍ كثيف لعياراتٍ ناريَّة؟
التفتَ يتفقَّدُ من حولهِ، ليجد حفيده غارقًا في النّومِ. وهو يحتضن لعبته المُفضَّلة.
وهي: «بندقيَّة» صُنِعتْ من معدنٍ آخر؟ ورصاصاتٍ فارغةٍ تفوحُ منها رائحة البارود، ملأتْ باحة المنزل.