عبدالله حميد العتابي
سلم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، نفسه، الخميس الماضي 25 آب، لسجنٍ في مقاطعة فولتون في أتلانتا بولاية جورجيا الأميركيَّة، على خلفيَّة قضيَّة تتعلق بأكثر من 12 تهمة تزعم محاولته عكس نتائج انتخابات الولاية لعام 2020. وخرج ترامب بعد إيقافه في السجن لفترة وجيزة، ووافق على دفع كفالة بلغت 200 ألف دولار أميركي ويواجه ترامب أربع محاكمات جنائيَّة، العام المقبل
تزامناً مع استعداد المرشحين الجمهوريين، والذي يعدُّ الرئيس السابق الأوفر حظاً بينهم، للمشاركة في السباق الرئاسي، في حين تتردد تساؤلات حول مصيره في حال إدانته بالتهم الموجهة بحقه في جورجيا تحديداً، فضلاً عمَّا إذا كانت «الإدانة» كافية لاستبعاده من شغل أي منصبٍ حكومي، بما في ذلك منصب الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
وتدلل كل المؤشرات حالياً على أنَّ ترامب هو المتقدم بين مرشحي الحزب الجمهوري لسباق 2024، رغم مشكلاته القانونيَّة التي ليس لها تأثيرٌ يذكر في دعم الناخبين الجمهوريين حتى الآن.
يثير فقهاءٌ قانونيون وساسة جمهوريون بشكلٍ متزايدٍ حجة دستوريَّة مفادها أنه يجب منع ترامب من الرئاسة استناداً إلى نص التعديل الدستوري رقم 14، الذي أُقرَّ في التاسع من تموز 1868، والذي تشير فقرته الثالثة إلى أنه: «لا يجوز لأي شخصٍ أنْ يشغلَ منصباً حكومياً أو عسكرياً سبق له القسم باحترام دستور الدولة ثم اشترك بعد ذلك في أي تمردٍ أو عصيانٍ ضدها، أو قدم عوناً ومساعدة لأعدائها».
والتساؤل هنا: هل ما أقدم عليه ترامب في السادس من كانون الثاني 2021 عندما اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول الأميركي، في محاولة لقلب نتائج الانتخابات الرئاسيَّة، كافٍ بانتهاكه التعديل رقم 14 للدستور الأميركي؟، ومن ثمَّ يمكن عدَّه غير مؤهلٍ لتولي أعلى منصبٍ في البلاد مرَّة أخرى، أو الترشح له.
ويخشى منافسو ترامب، من الحزب الجمهوري، إذا انتهى الأمر بالرئيس السابق بالحصول على الترشيح لبطاقة الحزب الجمهوري، فإنَّه لن يتمكن من الفوز بالانتخابات العامَّة، وتساءلوا هل من المتوقع أنْ ينتخب الناخبون الأميركيون مجرماً مداناً؟، ومن بين عديدٍ من لوائح الاتهام التي يواجهها ترامب، فإنَّ القضيَّة المتعلقة بسوء تعامل ترامب مع معلومات الأمن القومي وتخزينها تبدو تقريباً ضربة قاضية.
وهناك رؤية قانونيَّة تشير إلى أنَّ الدستور يتضمن حكماً يحرم ترامب من شغل المناصب العامَّة مرة أخرى.
وإنَّ جهود الرئيس السابق لإلغاء الانتخابات الرئاسيَّة لعام 2020، وما نتج عنها من هجوم على مبنى الكابيتول، تضعه بشكلٍ مباشرٍ في نطاق بند عدم الأهليَّة، ومن ثم فهو غير مؤهلٍ للعمل رئيساً مرة أخرى وليس من قبيل المبالغة.
إنَّ هذه المعضلة، قضيَّة ضخمة، وهي أهم قضيَّة دستوريَّة في الولايات المتحدة متوقعة خلال الشهور القليلة المقبلة، وولربما ستكون هذه ملحمة تستمر من الآن وحتى الانتخابات، ولعلَّ كلمتين فقط في التعديل قد تقضيان على محاولة ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، وإنَّ بند عدم الأهليَّة على وفق القسم الثالث من التعديل 14 يمنع الرئيس السابق من شغل منصب الرئاسة مرة أخرى بسبب سلوكه في أحداث السادس من كانون الثاني 2021 وما قبلها.
ومن المؤكد، وفي ضوء ما هو متاحٌ من معلومات، فالرئيس السابق دونالد ترامب غير مؤهلٍ دستورياً لأنْ يكون رئيساً مرَّة أخرى أو يشغل أي منصبٍ حكومي آخر، بسبب دوره في محاولة قلب نتائج انتخابات 2020 وتغيير نتائجها، والأحداث التي أدت إلى هجوم الكابيتول».
والواضح، أنَّ ترامب وجه في خطابه الذي ألقاه قبل دقائق من اقتحام الكابيتول «رسالة عامة ومحددة» مفادها أنَّ الانتخابات سرقت، داعياً الحشد إلى اتخاذ إجراءات فوريَّة لمنع نقل السلطة.
والراجح، أنَّ المسار العام لسلوك ترامب يحرمه من أهليَّة الترشح، بغض النظر عمَّا إذا كان مداناً بتهمٍ جنائيَّة تتعلق بانتخابات 2020، مثل تلك التي يواجهها الآن في محكمة ولاية جورجيا وفي المحكمة الفيدراليَّة.
وهناك سوابق تاريخيَّة لهذا القسم من التعديل الدستوري رقم 14، الذي منع كثيراً من قادة الاتحاد الفيدرالي من شغل مناصبهم أو الترشح لمناصب جديدة أو شغل أي مناصب حكوميَّة بعد الحرب الأهليَّة التي انتهت عام 1865، وليس من قبيل المبالغة لم يكن هناك منذ الحرب الأهليَّة تهديدٌ خطيرٌ لأسس الجمهوريَّة الدستوريَّة الأميركيَّة مثل الهجوم على الكابيتول ومحاولة ترامب غير المشروعة للاحتفاظ بالسلطة.
ومع عدم اتفاق أغلب خبراء الشؤون الدستوريَّة على أهليَّة ترشح ترامب، قد يستدعي ذلك اختباراً فعلياً في ساحة القضاء، ويعترف أغلب الخبراء الدستوريين أنَّ مسألة ظهور ترامب في بطاقات الاقتراع عام 2024 قد يتعين أنْ تبتَّ فيها المحكمة العليا في نهاية المطاف.
وفي حين أنَّ كتابات فقهاء القانون في القضيَّة لا تعدو أنْ تكون آراءً فقط في الوقت الحالي، فقد يدفع تحرك حاكم أو سكرتير ولاية باستبعاد ترامب من بطاقات الاقتراع في ولاياته بهذه المعضلة للمحكمة العليا لتحسم برأيها النهائي في أهليَّة ترشح الرئيس السابق من عدمه، لذا يمكن القول إنَّ المحكمة العليا هي الفيصل في تحديد أحقيَّة ترامب في المشاركة في الانتخابات من عدمها.