هل تعطل الانتخابات مسار التحول الديمقراطي؟

آراء 2023/08/30
...








 عبد الحليم الرهيمي


تعدُّ الانتخابات أحد الأركان الأساسية للديمقراطية ولمسار التحول الديمقراطي، الذي يعبر ويعكس تحقيق مختلف أركان ومبادئ الديمقراطية، غير أن معظم التقديرات والاستطلاعات المتخصصة، تشير إلى أن تحقيق الديمقراطية والانتخابات بدأ يتراجع في الانظمة السياسية التي توصف بالديمقراطية، ويشير (المعد الدولي للديمقراطية والانتخابات وهو تابع للحكومة السويدية ومقره استوكهولم).

إن العالم أصبح أكثر استبداداً، وإن العديد من الحكومات الديمقراطية تتراجع وتتخذ تكتيكات استبدادية، من خلال تقييد الحريات وتعطيل سيادة القانون والديمقراطية).

 اما منظمة (انترناشونال) السويدية، وهي منظمة دولية مقرها استوكهولم أشارت في تقريرها السنوي الاخير الذي تصدره عن حالة الديمقراطية في العالم إلى أن (الوضع الحالي للديمقراطية بأنه على مفترق طرق تاريخي). اما منظمة (مؤشر) فأشارت في آخر تقرير لها إاى أنه (حتى أوروبا سجلت أسوأ نتيجة منذ عام 2015 فأسبانيا مثلاً تم خفض تصنيفها إلى (ديمقراطية فاسدة بما يعكسه تدهور استغلالية القضاء فيها). اما بريطانيا التي تعتبر القلعة التاريخية للديمقراطية فقد (تراجعت ايضاً بعد فضائح تتعلق بتمويلات الاحزاب وغيرها).

هذا الوضع الذي آل اليه مصير الديمقراطيات في العالم وتراجعه أمام حالات الاستبداد، وبما يشير إلى الخلل الذي تحمله الديمقراطية وأنظمتها الديمقراطية حالياً، فقد سبق ذلك بعقود ما قال رئيس الوزراء البريطاني الشهير ونستون تشرشل (إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم باستثناء كل الاشكال الاخرى التي تمت تجربتها) ويضيف (إن نجاح الديمقراطية يرتبط بنوعية النخبة في البرلمان والحكم التي تنتجها الانتخابات التي قد تفرز الاصلح وقد تنتهي إلى الأسوأ).

وثمة من يعتقد أيضاً أن الديمقراطية الانتخابية في بلد مثل الولايات المتحدة تعاني من مشكلات لا يبدو أن لها حلاً في الأفق أما بلدان العالم الثالث، فما هو واضح للرصد والعيان هو أن إنتاج الديمقراطية فيها لـ (الصندوق الانتخابي) بمثابة لعبة بائسة ومتهافتة من الإعداد له حتى الوصول اليه وبعدها فرز النتائج والاعلان عنها، وهنا يبدأ التشكيك بصحتها وتوجه الخاسرين فيها شتى الاتهامات والطعن الفوضوي بصحتها وسلاماتها.

وبعد الفشل المتتالي لـ (الصندوق الانتخابي) يقترح عالم الفلسفة السياسية الاميركي صموئيل هنغستون: إن مجتمعات هذه البلدان تحتاج إلى فترة تهيئة لهم قد تكون طويلة حتى يتدرب المجتمع ليس فقط على الذهاب إلى صندوق الانتخاب، بل من اجل احترام نتائجها.

اما الديمقراطية في العراق التي يشترط أحد اركانها باجراء الانتخابات فقد برز في مسار التحول الديمقراطي، خلال العقدين الماضيين منذ التحرير والتغيير عام 2003 منذ الدورة الرابعة عام 2006 عجز الديمقراطية وصناديق الانتخابات أن تنتج نظاما سياسيا بسلطاته الثلاث، ترتضيه غالبية المواطنين أي العجز عن ايجاد سلطة حاكمة تثبت أن العراق بمساره الديمقراطي أشار بدوراته الانتخابية الأربع حظي بنظام سياسي ونخبة سياسية مؤهلة، أنتجتها الانتخابات التي اصبحت بموضع التشكيك وعدم الثقة من غالبية المواطنين، وهذا يطرح السؤال الكبير حول استمرار الرهان على الانتخابات ويمارس الديمقراطية، التي أصبحت توصف بأنها ديمقراطية المحاصصة، والديمقراطية الفاسدة والديمقراطية التي هي استبداد بحلة ديمقراطية.

لذلك، فان هذا السؤال الكبير يطرح امام النخب السياسية والفكرية والاكاديمية في العراق وبقية الدول، التي يتعثر فيها مسار الديمقراطية والانتخابات الاجابة الحاسمة: هل أن وضع الديمقراطية والانتخابات المعمول بها هي اسلوب الحكم المناسب للعراق بعد تعديل وتطوير الديمقراطية وتخليصها من الشوائب إن أمكن ذلك، أو البحث عن وسيلة جديدة ونظام آخرين مناسبين دون العودة للاستبداد والدكتاتورية.. إنه سؤال مهم ينبغي الإجابة عليه بوعي ومسؤولية ودون تردد.