رندة حلوم
ستبقى الفاجعة الكربلائيّة تشحذ مخيّلة الإبداع في التّشكيل الإسلامي العاشورائي بمشهديات توثّق تلك الفاجعة عبر أيقونات وجداريّات ولوحات "بانوراميّة" مروراً بكلِّ أساليب الفن التّشكيلي المعروفة، كالنّحت والتّطريز والرّسم على القماش والخشب والزجاج ...الخ.
إنَّ ملحمة الثّورة الحسينيَّة ذات بعد إنساني كبير ومفاهيمي راسخ في وجدان صورة وروح الفن التّشكيلي الإسلامي، فمن الواقع تمَّ توثيق ملحمة الإمام الحسين ابن الإمام علي عليهما السلام، وعلى مدار هذا التّاريخ الممتد من تاريخ الفاجعة العاشر من شهر محرّم، من العام الهجري الواحد والسّتين.
كانت هناك مشهديَّات متتالية شكلت السّطوة "الزّمكانيَّة" في الفن التّشكيلي "العاشورائي" صرخات حسينيَّة تشقُّ عُباب التّاريخ عبر ثنائيّة اللّون والحركة، كثيرون هم من خاضوا هذه التّجربة الإبداعيَّة الرّائدة في التّشكيل عبر العالم الإسلامي، لأنَّ ملحمة الثّورة الحسينيَّة ذات بعد إنساني كبير ومفاهيمي راسخ في وجدان صورة وروح الفن التّشكيلي الإسلامي. رغم أنَّ التّوثيق والفن الواقعي هو سيد المشهديَّة والمشهد في التشكيل العاشورائي، إلّا أنَّ جذوة الإبداع تنطلق من روح الفكر الإنساني فكر الثّورة والعدل والكرامة فكرة الظّلم البشري والعدالة الإلهيَّة التي رفعت فكر الإمام إلى مقام الشّهادة، فمشهديَّة الظّلم الإنساني من لوحة رأس الإمام المقطوع المخضّب بالدّم الأحمر، مع تقاطيع وجه الإمام الحسين عليه السّلام وهذا الرأس الشّريف المرفوع على الرماح، إلى مشهد السّبي- سبي نساء آل بيت محمد - وكانت أوّل لوحة لمشهد السّبايا من آل البيت عليهم السلام عام (1917) لم يدع التّشكيل العاشورائي تفصيلاً في فاجعة كربلاء الإمام الحسين إلّا ووثقها في سورياليَّة أو واقعيَّة أو رمزيَّة أو تجريد أو حروفيَّة باذخة.
كان البناء اللّوني في تكوينات لوحات عاشوراء ذا رمزيَّة متعلّقة بتلابيب الواقعيَّة والتّوثيق، لن تقف أمام لوحات عاشوراء مهما كان انتماؤك الفكري والعقائدي، إلّا وسوف تقودك سطوة اللّون ودلالته الواسعة والكبيرة إلى مفهوم الملحمة، وهذا ينبثق منه وعنه أنَّ الفن التّشكيلي العاشورائي فنٌّ حيٌّ مشبّعٌ بفكر الثّورة الحسينيَّة، فنُّ حِدادٍ ورهبةٍ وجلالٍ تشبّع باللّون الأسود واسع الدّلالة على فكرة الحزن والحِداد العميق المستمر، لا تخلو ثورة من دماء، لكنَّ رمزيَّة الدّم في الفن العاشورائي رمزيَّة طافحة بالنّورانيَّة والنّار، نورانيَّة الدّم الطّاهر ونار الوجع والحزن والثّورة، من تدرُّجات الأحمر والنّاري، قد تكون اللّوحة العاشورائيَّة "بورتريه" طافح بالحدث، لأنَّ ذهنيَّة الموروث الشّعبي والتّاريخ الإسلامي مشبّع بتفاصيل الحدث الكربلائي وشخوصه الكريمة، من شخصيَّة الإمام الحسين إلى أبي فضل العباس وأخت الحسين زينب وابنة الحسين رُقيّة عليهم السّلام أجمعين، لكنّ الرّمز الكربلائي الأكبر كان في مشهديَّة رأس الإمام الحسين وما لهذه اللّوحة العاشورائيَّة الكربلائيَّة من مدلول في تاريخ الإنسانيَّة حتّى قيام السّاعة.
لكنّ مفردات التّشكيل الكربلائي وإن كانت في واقعها هي تصوير لواقعة ومأساة في تاريخ الإنسانيَّة، إلّا أنَّها غنيَّة بعناصر استثارة اللّواعج والحواس والصّدمة البصريَّة العالية عن طريق استحضار اللّحظة، لأنَّك عندما تقف على باب لوحة من لوحات عاشوراء فأنت تسافر إلى طُهر كربلاء الإمام الحسين.