توثيق جرائم البعث

آراء 2023/08/31
...

حسين رشيد

ليس من السهل على الذاكرة العراقية أن تنسى أو تتناسى جرائم نظام صدام، والانتهاكات ضد الإنسانية، وما حصل من جرائم إبادة جماعية لم يستثنِ النظام الدموي أحدا منها، وتقف في مقدمة تلك الجرائم تهجير الكرد الفيلية، قمع الإنتفاضة الشعبية والمقابر الجـــــماعية، عمـــليات الأنفال سيئة الصيت، وجرائم أخرى أُرتكبت بحق قوى وأحزاب سياسية وشخصيات إجتماعية ودينية معارضة للنظام، غيب بعضها وأُعدم آخر، نال الاغتيال من آخرين، ومن حالفه الحظ هرب خارج البلاد.
طوال عشرين عاما من عمر التغيير النيساني في 2003 لم يلتفت النظام الحالي لتوثيق تلك الجرائم، وأرشفته، كي تكون في متناول يد الأجيال المقبلة، وتشييد متحف خاص بالوثائق الرسمية، لتلك الجرائم والانتهاكات تكون بمتناول أي كاتب وباحث ودارس وكل من يرغب الإطلاع على تفاصيل تلك الحقبة، التي حكمت العراق بالنار والحديد، وإذابة أعمار الناس في أحواض التيزاب، ودهاليز السجون السيئة، حقبة سوداوية مميتة أُستخدمَ فيها النظام وأزلامه كل أدوات وأساليب القتل والترهيب.
مؤخرا تم التوجيه بوضع منهاج علمي لتدريس جرائم البعث المباد، وهي خطوة مهمة عسى أن توثق تلك الفترة المهمة من تاريخ العراق الحديث لم يُسلَط عليها الضوء بشكل كامل وواضح، بسبب إنشغال الناس بعد عام 2003 بما حصل من طائفية وإرهاب وفساد ومحسوبية، إلا ما كان يعرض في بعض القنوات الفضائية في مناسبات متباعدة، ويكون بشكل إخباري أو عمل تقرير لبضع دقائق، بعض الأحيان تحكمه العلاقات الشخصية والتقاربات السياسية، أو يكون عبر استذكار لشخصية سياسية معارضة، ومثل هذا الأمر لا يجدي نفعا في توثيق تلك الجرائم بقدر ما أنه تذكير بما حصل.
والأمر هنا يحتاج أيضا إلى توجيه من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لتناول ثقافة العنف، التي كانت إحدى سمات النظام، لتوضيح ودراسة تلك المرحلة وما رافقها من كتابات ونتاجات بحثية، دراسية، أدبية، فنية، صحافية لتفكيك ومعرفة كيف ساهم الأدباء والكتاب والصحافيون والفنانون في ترسيخ حكم البعث المباد، ومحاولاتهم تجميل قبح النظام، وتصوير حرب الثماني سنوات نزهة للجنود، والحصار التسعيني ضفة عبور لمستقبل آخر، وكيف عمد الكثير منهم تشويه وتخوين الانتفاضة الشعبية.
ومن المهم أيضا فتح أرشيف الثقافة البعثية الزيتونية أمام الباحثين بشكل تام، ليكون هناك إطلاع أكثر لبحث أسباب تحولات النظام الصدامي، وكيف ترسخ حكمه طوال أربع عقود، ويمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، التي مرت بظروف مشابهة لما حصل في العراق من حيث دراستها وعزل من كان سبباً في أن يصل النظام لما هو عليه من وحشية.