د. طلال ناظم الزهيري
إنَ تحقيقَ التوازنِ بينَ الحاجةِ إلى الوعيِ التاريخيِ وضرورةُ بناءِ مجتمعٍ موحدٍ ومتطلعٍ إلى المستقبلِ، هوَ مهمةٌ حساسةٌ وتتداخلُ فيها المشاعرُ العاطفيةُ والواقعيةُ دونَ أنْ تكونَ الغلبةُ في المحصلةِ النهائيةِ لأيِ منها. ففي الوقتِ الذي نسعى جاهدينَ منْ أجلِ تطويرِ نظامٍ تعليميٍ يسهمُ في دفعِ العراقِ نحوَ مستقبلِ أكثرَ إشراقا. فإنهُ منْ المحبطِ أنْ نشهدَ قرارات ذات دوافعَ سياسيةٍ قدْ لا تكونُ قدْ أخذتْ نصيبها منْ التقييمِ التربويِ تسهمُ في دفعِ العجلةِ إلى الوراءِ. إنَ الاقتراحَ الأخير بإدراجِ منهجٍ دراسيٍ حولَ جرائمِ حزبِ البعثِ على المستوى الجامعيِ، هوَ أحدُ هذهِ القراراتِ التي تستحقُ دراسةً متأنيةً لآثارها السلبيةِ والإيجابيةِ. ولا بدَ منْ التوضيحِ بدايةِ أنَ الاعتراضَ على إقرارِ مثلٍ هذا المنهجِ ليدرسَ في الجامعاتِ العراقيةِ، لا يعني بأيِ حالِ منْ الأحوالِ مناصرةَ حزبِ البعثِ أو التنكرِ للجرائمِ المنسوبةِ إليهِ. بلْ لعلنا نحنُ الذينَ عاصرنا حقبةَ البعثِ لا نزالُ نعتقدُ، أنَ المنهجَ المقترحَ لا يكفي لمعالجةِ مجملِ الفظائعِ التي ارتكبتْ بحقِ الشعبِ العراقيِ، والتي لعبَ حزبُ البعثِ فيها دورا مباشرا أو غيرِ مباشرٍ. لكننا في الوقتِ نفسهِ نعتقدُ أنَ هذهِ المرحلةِ تعدْ مفصليةً في تاريخِ العراقِ الحديثِ، الذي إلى الآنَ لمْ يتعافَ كليا منْ آثارِ الماضي البعيدِ والقريبِ، يجبَ علينا أنْ نحولَ تركيزنا نحوَ المستقبلِ، ونفكرُ في آفاقِ الأجيالِ القادمةِ والسبلِ التي يمكننا بها ضمانُ ازدهارها. فلماذا علينا أنْ نكررَ واحدا منْ أكثرِ ممارساتِ البعثِ بشاعةً، وهيَ محاولتهُ الهيمنةُ على المؤسساتِ التعليميةِ واتخاذها منابرَ أيديولوجيةً لهُ. منْ منا ينسى مقررَ الثقافةِ القوميةِ، الذي كانَ يدرسُ في جميع المراحلِ الدراسيةِ. هلْ استطاعَ الحزبُ منْ هذا المنهجِ أنْ يحدثَ تغيرا حقيقيا في الفكرِ الجمعيِ لدى الشبابِ الجامعيِ. بالتأكيدِ لا. أما إذا كانَ الهدفُ منْ المنهجِ المقترحِ هوَ توعيةٌ منْ لمْ يختبروا حقبةُ البعثِ بالجرائمِ المرتكبةِ، فيجبُ أنْ نأخذَ في الاعتبارِ أنَ هذا الجيلِ نفسهِ سيتذكرُ الأحداثَ المضطربةَ التي شهدها تاريخُ العراقِ الحديثِ على مدى العقدينِ الماضيينِ. وستبقى بابُ المقارنةِ مفتوحة ومشرعة للماكنات الإعلاميةَ أن تخوضُ فيهِ كما تشاءُ. وكأنها دعوةٌ عنْ غيرِ قصدٍ إلى عقدِ مقارناتٍ بينَ الماضي والحاضرِ القريبينَ، مما قدْ يؤدي إلى إدامةِ الانقساماتِ، بدلاً منْ تعزيزِ الوحدةِ. لقدْ مررنا بتجاربَ مريرةٍ منْ بدايةِ تأسيسِ الدولةِ العراقيةِ في مطلعِ القرنِ العشرينَ إلى الآنَ. والتي كانَ للأحزابِ والحركاتِ السياسيةِ والتنظيماتِ الدينيةِ والإرهابيةِ نصيبها في الجرائمِ والمحنِ، التي عانى منها الشعبُ العراقيُ، فهلْ علينا أنْ نستذكرها جميعا أمْ تنتقي كلَ أمةِ آثامِ التي سبقتها. وهنا قدْ يسألُ سائلَ هلْ علينا أنْ ننسى.؟ أقولُ كلا لكنْ ربما هناكَ وسائلُ بديلةٌ لنقلِ هذهِ المعرفةِ التاريخيةِ، مثل الأفلامِ الوثائقيةِ أو المسلسلاتِ التلفزيونيةِ أو المعارضِ الفنيةِ، وحتى النصبِ التذكاريةِ، وهيَ موجودةٌ بالفعلِ بكثرةٍ.
في الختامِ، ندعو المؤسساتُ التعليميةُ إلى تجاوزِ الأجنداتِ الحزبيةِ، والتركيزُ بدلاً منْ ذلكَ على المناهجِ والمقراراتْ التي تعززُ الابتكارَ، وتغذي المعرفةُ، وتنميةُ المهاراتِ التي تحتاجها أجيالنا المستقبليةُ. وفقا لذلكَ فقطْ يمكننا وضع الأساسِ المتينِ لعراقٍ موحدٍ ومزدهرٍ ومستعدٍ لمواجهةِ تحدياتِ الغدِ.