علي رياح
بحكم الاعتياد، تتلقى أسماعنا في مبارياتنا المحلية، صنوفاً من الأصوات الجهورية والتوجيهات والتعليقات التي تصدر من مقاعد البدلاء أو المنطقة الفنية الخاصة بالمدربين.. يسمع رواد الملاعب في العادة مفردات عجيبة وربما أبياتاً من الشعر أو خطباً عصماء، أو حتى يكتشف المتفرج عندها مواهب مدربينا في التعليق. لم لا؟
حين يشكو بعض المباريات عزوفاً للجمهور ربما لتواضع موقع الفريقين المتباريين أو لعدم ملائمة جو اللقاء، يكون في وسعنا الاستماع إلى كل هذا الركام من التوجيه والتوبيخ واللوم وحتى التعامل بالمفردات المُتدنّية التي لا تليق بالمدرب أو لاعبيه.. في مرات عدة يتحول المدرب إلى مُعلق ينطلق صوته مع صفارة البداية ولا يتوقف عن الصياح حتى بعد انتهاء المباراة نفسها، والسؤال عندي دوماً: إذا كان الفريق لا يُحسن الأداء ولا يتناقل الكرة إلا على نغمات صوت المدرب طوال تسعين دقيقة وأكثر، فأين كان الأخير ومعالجاته في الوحدات التدريبية اليومية؟ يفعل المدربون هذا كثيراً، في العراق وفي غير العراق.. الأمر يتعدى المدربين ليشترك كل من يتخذ مكانه على مقاعد الاحتياط كي يدلي بدلوه ويستعرض ما يخطر في البال من توجيهات ليبلغ المشهد الذروة حين تختلط الأصوات ويفقد اللاعب تركيزه في الميدان ويرخي سمعه دوماً إلى صيحات الزملاء قرب خط التماس.
ولكن ماذا عن العكس؟ ماذا يقال لو أن المعلق نفسه اتخذ لبوس المدرب وراح يوزع التوجيهات على اللاعبين؟ يوم كانت مناضد التعليق توضع قريباً من الميدان في الهواء الطلق، سمعنا كثيراً من قصص الراحل الأستاذ مؤيد البدري مع لاعبينا وحتى مدربينا بحكم خبرته الطويلة وعلاقته الوثيقة بالجميع كإعلامي كبير وكعقل كروي لا يُشقّ له غبار، حتى أن بعض الجمل القاسية كانت تصدر عنه في لحظة اندماج أو غضب. الشيء نفسه كان يفعله الكابتن لطيف معلق مصر الشهير، لا بل إنه كان يتحاور مع الجمهور من على المدرجات القريبة حين يستوجب الأمر. والمعلق الكويتي اللامع خالد الحربان له نوادر كثيرة. كان يوجه اللاعبين وينصحهم ويحذرهم وكان ينسى أنه ينقل المباراة بصوته إلى الملايين عبر المايكروفون.. وأشهر (وقائعه) أنه صاح خلال المباراة: لا يا فيصل لا (يقصد فيصل الدخيل ).. مو هذا المدافع اللي طگـك قبل شوية.. شووف.. طالع.. ذاك المدافع اللي تعمد يطگـك.
وحين تبلغ الفرحة ذروتها في نفس المعلق، قد يغادر منضدة التعليق ويترك مهمته تماماً ليجري داخلاً الملعب كي يهنئ اللاعبين بنتيجة كبيرة. هذا بالضبط ما فعله المعلق القطري المعتزل محمد نوح في دورة الخليج العربي الرابعة في الدوحة 1976.. نوح لم يصدق أن المنتخب القطري أنهى المباراة مع منتخب العراق بالتعادل من دون أهداف، فانطلق مع صفارة النهاية كي يعانق اللاعبين تاركاً المشاهدين والمستمعين في حيرة، بينما كان مخرج المباراة المصري فتحي أبو زيد يضرب أخماساً بأسداس لدقائق معدودة حتى تمكن أحد المصورين من الانطلاق خلف المعلق وإقناعه بضرورة العودة إلى موقعه أمام المايكروفون كي يستأنف التعليق وينهي وقائع البث المباشر مُعيداً الصوت والصورة إلى استوديو المحطة