كلستان.. رائد السينما الثقافيَّة في إيران

ثقافة 2023/09/11
...

علي حمود الحسن

توفي الأسبوع قبل الماضي المخرج والمنتج والكاتب الإيراني إبراهيم كلستان، عن عمر ناهز الـ 81 عاما في مغتربه الاختياري بمقاطعة ساكس الإنكليزية، اذ غادر بلاده في العام 1967.. كلستان المولود في شيراز عام 1922، التحق بكلية الحقوق لكنه لم يكملها، كتب القصة القصيرة وتأثر بصادق هدايت وترجم بعضا من قصص همنغواي وفوكنر وتشيخوف، فكان رائدا في تعريف الإيرانيين بالأدب العالمي، انتمى لحزب توده ثم غادره متفرغا، بعدها أسس استوديو كلستان لإنتاج الأفلام، وقد افاده عمله في القسم الإعلامي التابع شركة النفط البريطانية الإيرانية في انتاج أفلام واختيار مواضيع لأفلامه، ما كان ليحققها لولا حصانة الشركة البريطانية.
 أهمية كلستان تتأتى من كونه، أحدث منعطفا في مسيرة السينما الإيرانية، التي لم يكن لها شأن واضح بطابعها الترفيهي والميلودرامي، المقلد دوما للسينما الأميركية والهندية، فنحى بها منحى ثقافيا اصيلا، حتى أن مؤرخ سيرته برويز جاهد عدَّ نتاجاته من اهم ما ظهر في السينما الإيرانية، بل إن السينما الثقافية ولدت مع فيلمه الروائي الأول "الطوب والمرآة" (1966)، هذا لا يعني عدم وجود رواد أسهموا في هذا المجال، لكن كلستان يختلف عن الجميع، بكونه منتجا ومخرجا وناقدا ومنظرا لمجمل صناعة الفيلم وتسويقه.
ويمكن القول بحسب جاهد إن فيلم "من القطرة حتى البحر" (1957) أول فيلم وثائقي لإبراهيم كلستان، ثم أنتج للفترة من 1957 الى 1962 سلسلة أفلام "نظرة ما" بفريق عمل متفان منهم أخوه شاهرخ كلستان والشاعرة فروغ خزاد وغيرهما، وكان فيلم "النار" أهم هذه السلسلة، اذ وثّق لواحدة من اعظم حرائق آبار النفط في التاريخ- احتاج الإطفائيون إلى 65 يوما لإخمادها، بعدها قدموا فيلم "الخطوبة"، التي أدت الشاعرة فرخزاد دور البطولة فيه، ثم انتج استوديو كلستان فيلم "الموج والمرجان والصوان"(1962)، وبعدها أنتج فيلم "لماذا هاج البحر" من بطولة فروغ فرخزاد وبرويز بهرام، وفي العام 1962 عمل كلستان على إنتاج فيلمها الذي أخرجته فروغ فرخزاد عن المجذومين، وصنفه النقاد بأنه الأفضل في تاريخ السينما.
ربما من حسن حظ عشاق السينما أن كلستان احتاج يوما إلى كاتبة طابعة في مكتبه، فتقدمت إلى الوظيفة الشاعرة فروغ فرخزاد، التي لم يكن صيتها قد انتشر، وحينما قابلت كلستان قال لها  "وحقك كل ما قلتيه من شعر هو جيد لك، لكن عملك هنا هو الكتابة على الطابعة، اتقني عملك وردي على التلفون"، ولأنها عبقرية انغمرت في العمل السينمائي، ممثلة ومخرجة وكاتبة سيناريو، ويبدو أن شخصية كلستان الوسيم والمبدع أثّرت وفجّرت منابع الإبداع في هذه الروح التواقة إلى الحرية والسلام، لنكتشف أن قصة حب ملتبهة نشبت بين هذين العبقريين، وظلت سرية حتى نشرت أختها مذكراتها، حيث تقول في إحدى قصائدها " أنا عاشقة كل ما يحمل اسمك.. ورغم عطشي امتص دم لحظاتك الحارقة".