ما الذي يجعلنا نشعر بالسعادة؟
صفاء ذياب
هل فعلا أنَّ العراق، بتحولاته التي لم تتوقف منذ تأسيسه حتى الآن، يتذيل قائمة السعادة عربياً، ويلامس العراق المرتبة المئة عالمياً؟. هذا ما نشرته مجلة CEOWORLDالمتخصصة بالإحصائيات، إذ جاءت سويسرا كأسعد دولة في العالم، وبعدها أيسلندا، ثم الدنمارك، والنرويج، وفنلندا.
أما عربياً فقد احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى، تلتها البحرين ثانياً ثم السعودية ثالثاً والكويت رابعاً والمغرب خامساً والجزائر سادساً وليبيا سابعاً
وتونس ثامناً ولبنان تاسعاً والأردن عاشراً ومصر بالمرتبة 11 والعراق في المرتبة 12، وأخيراً اليمن بالمرتبة 13.
وقد جاء هذا التصنيف بناءً على سبعة عوامل حاسمة: التوازن بين العمل والحياة، والرعاية الاجتماعية الحكومية، والدخل، والرعاية الصحية، والفساد، والتعليم الجيد، والحرية.
ما السعادة؟
لا يمكن الوصول إلى تعريف جامع شامل للسعادة، فهي متباينة بين شعب وآخر، فضلاً عن اختلافها من شخص لآخر، فما تشعر بالسعادة تجاهه، ربّما لا يشعر أخوك أو جارك بالبؤس فيه، وهكذا تبقى المعايير متأرجحة وغير ثابته، حتى إن كانت السعادة من وجهة نظر أفلاطون على أنّها عبارة عن فضائل الأخلاق والنفس؛ كالحكمة والشجاعة والعدالة والعفة، مؤكّداً أنَّ سعادة الفرد لا تكتمل إلَّا بمآل روحه إلى العالم الآخر. في حين عرّفها أرسطو بأنّها هبة من الله وقسّمها إلى خمسة أبعاد، وهي: الصحة البدنية، والحصول على الثروة وحسن تدبيرها واستثمارها، وتحقيق الأهداف والنجاحات العملية، وسلامة العقل والعقيدة، والسمعة الحسنة والسيرة الطيبة بين الناس.
في حين عرّف علم النفس الحديث السعادة بأنّها مجموعة من العوامل، كالرضا العام عن الحياة، وإشباع الرغبات، والتمكُّن من تحقيق الأهداف المرجو تحقيقها، والوصول إلى الطموحات التي يسعى الفرد إليها، فضلاً عن القدرة على توظيف القدرات والاستعدادات للوصول إلى مرحلة الرضا عن الذات وعن الآخرين، ويختم علماء النفس تعريفهم بأنَّها: الإحساس باعتدال المزاج والحالة النفسية، ومن الجانب التأمُّلي المعرفي فهي الوصول إلى مرحلة الشعور والإحساس بالرضا.
لكن، كيف يرى المثقفون العراقيون حياتهم في ظلِّ هذه النتائج؟
الدولة الشخصيَّة
يرى الكاتب قيس حسن أنّه في الاستبيانات العالمية أو المؤشرات التي تقوم بها جهات خارجية، عادةً ما نأخذ النتائج ونعدُّها حقيقية، برغم أنَّنا قد لا نعرف شيئاً عن المؤسسة التي قامت بالاستبيان، ولا الطريقة التي عملت عليها أو المعايير المتبعة في الاستبيان أو المؤشّر، مثلاً، في كلِّ عام تصدر مؤشّرات عالمية عن مستويات الفساد الحكومي، أو مستوى حرّية الرأي أو حرية الصحافة، أو مستويات الرفاه والسعادة، وغيرها من القضايا، لماذا نأخذ النتائج بدون تدقيق أو اطلاع كافٍ على طريقة العمل؟ قبولنا بها يوضّح أنَّها متوقّعة بالنسبة لنا، وقريبة من الواقع، وكأنَّها لا تأتي بجديد بحكم حجم الفساد والأخطاء في عمل المؤسسات الحكومية التي نعيشها منذ عقود، والمسؤول يريد دائماً أن يظهر بصورة، الناجح، والبطل، والاستثنائي، أمَّا أخطاء مؤسّسته فيسعى لإخفائها ومنع ظهورها للرأي العام، وهذا ما يجعل التقارير والمؤشّرات الدولية مقبولة، أمَّا العامل الثاني فهو عدم وجود مؤسّسات عراقية، لا حكومية ولا شعبية تعمل على هذه المؤشّرات، وإذا وجدت فالرأي العام العراقي لا يثق بها. في النهاية تحرّك المؤشّرات الدولية بعض المياه الراكدة وتثير الرأي العام وتكون مادة خبرية لأنَّنا نعيش في دولة تحرّم نشر المعلومة وتمنعها أيَّاً كانت طبيعتها.
مؤشّر المقارنات
ويشير الدكتور جاسم السدر إلى أنّه حين تطرح محاور تقييم السعادة على العراقيين، التي تتألف من نصيب الفرد من الناتج المحلّي الاجمالي ومتوسط العمر والمتوقّع الصحي والدعم الاجتماعي وانخفاض الفساد وكرم المجتمع وتعاضد أبنائه ومدى المشاركة في اتخاذ القرارات، يتذكّر العراقيون معاناتهم الاقتصادية المستدامة وعدم استمتاعهم بالموارد العامة والخشية من توقّف قطار حياتهم في لحظة لم تكن تخطر لهم على بال، وأعباء العلاج الصحّي وتداعياته واستشراء الفساد وتغوّله وحرمانهم من المشاركة في صناعة القرارات الرئيسة التي تتعلّق بشكل حياتهم ومستقبلهم، وسيجيبون بفخر عن كرم شرائحهم المجتمعية وتعاضدهم، ممَّا يعدُّ مؤشّراً على جودة نبلهم الإنساني الذي يفيض على من حولهم من مواطنيهم في مختلف الظروف والمناخات والبيئات.
ويضيف: تأمين المستلزمات المعيشية وتحقيق الرفاه والحيوية الصحية والمشاركة الفاعلة في صناعة الواقع والاستجابة لحاجاتهم وتضمين أولوياتهم في برامج المؤسسات الحكومية، تعدُّ من أهم المحاور التي تقفز من زوايا ذاكرتهم عند سؤالهم عن مفهومهم للسعادة، ولاسيَّما حين يقرؤون عن دول تقفز مراتبها في مؤشّرات السعادة تعيش في ذات الجغرافيا وتمتلك الإمكانات والموارد التي يحوزونها نفسها، بل ويتقدّمون عليها في مؤشّرات الذكاء، ممَّا يعزّز انخفاض شعورهم بالسعادة، ما يدفع بمرتبتهم للتأخر عن أقرانهم في مؤشر السعادة العالمي.
شعور خاص
ويرى الفنّان صباح السبهان أنَّ الإحاطة بمفهوم السعادة تقتضي تحديد أبعاده ومقتضيات انتعاشه وشيوعه، في مجتمع ما، وقد تباينت الدوافع ومحفّزات المسرات والسعادة، في المجتمع، فعند غالبية بسطاء الناس، يجدونها في توفّر متطلّبات الحياة الطبيعية، كالمأكل والمشرب والمسكن، التي تعدُّ من أدنى حقوق الإنسان، أمَّا عند الطبقات المتنوّرة، فإنَّ مفهوم السعادة، يتخطّى تلك الأبعاد البسيطة، ويأمل أرباب الفكر إلى تحقّق الحريات الفكرية، وإرساء قيم العدالة، ونزاهة السلطات بأطيافها، كما تكمن سعادة الناس عامةً في أن ترى الثروات الهائلة، تسخر ببناء البلاد وإعمار مستقبل الأجيال الواعدة، وهناك مناخات أخرى لتحقيق السعادة، منها بواعث شخصية، مثل الفرح الغامر بلقاء حبيب أو نجاحات اجتماعية، كالزيجات والتفوّق الدراسي وسواها، في حين أنَّ مفهوم الفرح والسعادة في المجتمع العراقي الحالي، مجرّد الخلاص من الظلم والسياسة الرعناء، يعدُّ متنفّساً وفرصة مواتية لانتشاء عبق الحرّيات والسعادة، غير أنَّنا أصبنا ثانيةً، بخيبات الأمل، التي رافقت عملية التغيير، وعلى الرغم من ضعف الأداء الحكومي وارتهان المرحلة بمؤثرات دولية وإقليمية، فضلاً عن الفساد الذي ينخر جسد الدولة، ومع هذه التحديات كلّها، تبرز بين الحين والآخر، فسحة من سعادة مفتقدة، وأمل يرتجى، سيّما فيما يتعلق بانفتاح البلاد، من حيث السفر والعمل دون قيود صارمة، مع توفّر حرّية التعبير في الصحافة إلى حدٍّ معقول، مقارنةً بدول المنطقة.
موضّحاً: مفهوم الفرح والسعادة في العراق نسبي، من مرحلة وأخرى، ومن طبقة لأخرى، لكن عموماً لا يستحق العراق أن يتذيّل مؤشر السعادة في العالم العربي، وفق معايير لا يحسب السبهان أنَّها دقيقة وربَّما ليست منصفة، فالسعادة شعور داخلي يتحرك وفق مؤثر خارجي، ولا ننسى المؤثرات الإبداعية التي ترفع شعور السعادة والإحساس بالجمال، فالمجتمع العراقي مجتمع مبدع وفاعل وقادر باستمرار على تجاوز المطبّات بروح عالية، وهذا الأمر بحدِّ ذاته مبعث للسعادة والانتشاء. فنحن لسنا مجتمعاً انهزاميّاً
منكسراً.
نحن في القائمة
وبحسب الروائي علي الحديثي، فليس للسعادة وجه واحد، فلكلِّ شعب أو فرد شيء يجد به سعادته، ولكنّنا نحن العراقيين تكاد يكون لسعادتنا وجه واحد، هو الاستقرار والأمان، فلو تجوّلت في شوارع العراق فلن تجد عراقياً متفائلاً بالغد، فأَنْ نتذيل قائمة السعادة أمر طبيعي جدًّاً، بل يراه الحديثي جيّد جدّاً، فهذا يعني أنّنا ما زلنا في القائمة، فهو على يقين لو أنّ السعادة اتصلت بالعراق، لسمعت صوتاً عبر الهاتف يخبرها (آسف.. حاول مجدّداً.. فالعراق خارج نطاق الخدمة).
حياة طبيعية
ويذهب الكاتب عبدالله جدعان إلى علماء النفس الذين يعرّفون السعادة بأنها حالة عاطفية تتميّز بمجموعة من مشاعر الفرح والرضا والقناعة والأمان، وهناك نوعان للسعادة كما قال (أرسطو): السعادة القائمة على المتعة، والسعادة القائمة على المعنى، السعادة القائمة على المتعة مشتقَّة من اللذَّة، وترتبط بفعل الأشياء التي تتعلَّق بالتجربة الذاتية كتحقيق للرغبات، بينما السعادة القائمة على المعنى ترتبط بالبحث عن الفضيلة والمعنى، والسعادة بنظر (أفلاطون) يجب أن تقوم على نوع معين من التناغم والانسجام بين الرغبات والأهداف في حالة تعددها، فوفق عبارات الفارابي (أنَّ السعادة هي أعظم الخيرات)، أما عند الإمام (الغزالي) فيقول: إنَّ اللذّة والسعادة عند بني آدم هي معرفة الله عز وجل.
أمَّا الإنسان العادي، فيرى أنَّ السعادة هي البحث عن حياة كريمة، والسعي وراء الرزق ومكمّلات الحياة. لكن الآن تغيّر الزمن، صارت الحياة عرضةً للبؤس والشقاء من جرّاء الحروب والتغيّر المناخي في دول العالم، فقد عانينا من حروب متتالية، وبالنيابة عن ملايين البشر، صارت السعادة التي يبحث عنها الفرد هي الأمان، أن تمشي في الشارع دون خوف، أن تجلس مع عائلتك تتناول
الطعام.
تفاصيل مغايرة
أمَّا الكاتب عادل كاطع العكيلي فيبيّن، أنَّ مفهوم السعادة شيء نسبي لدى المواطن العراقي وليس مطلقاً وسبب ذلك يعود إلى فداحة ما مرَّ به من أهوال عظيمة ومواقف جسيمة، فمؤشر السعادة عند المواطن العراقي يتأثّر بالأخبار السياسية والاجتماعية وعلى الصعد كلّها...
ويضيف: إن تغيير مفهوم السعادة بالضدّ من الحزن أمر يستند إلى الواقع، لذا فإنَّ الأحزان التي مرَّ بها المواطن تعدُّ ما يفرضه في حياته اليومية لأجل تأمين لقمة العيش بكرامة سعادة. في حين لو سلّطت الجهات المختصة الضوء على جانب من حياة الإنسان العراقي فيكاد العكيلي يجزم أنَّ العراقي سيكون واحداً من قمم السعادة في العالم، وأنَّ تسليط الضوء على جانب دون آخر سيؤدّي لا محال إلى إبراز ذلك بسيئاته وحسناته، فما يعيشه العراقي من حالة الرضا النفسي على صعيد العقيدة أو المجتمع أو غيرهما تجعله على مستوى متقدم في مقاييس السعادة أيضاً، مثلما تجعله حالة سخط على الصعيد السياسي في مستوى مقاييس التعاسة.