النَّصُّ المقروء والنَّصُّ المرئي

ثقافة 2023/09/12
...

  كاظم مرشد السلوم

تحتل العلاقة  بين الرواية والسينما  أهمية كبيرة لكلا الطرفين إذ ساهمت الرواية بمد السينما بمواضيع مختلفة تناولها الروائيون في رواياتهم المختلفة، كما ساهمت السينما في انتشار الكثير من الروايات وزيادة مبيعاتها، فلو رجعنا إلى الأدب العربي وأخذنا روايات الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ نجد أن السينما ساهمت وبشكل فاعل وكبير في توجه القراء إلى قراءة رواياته مع أن شاهدوها سينمائيا، بل ان الكثير من أبناء الشعب المصري شاهدوا الروايات كنص بصري ولم تقرأ كنص مكتوب، كذلك الحال مع العديد من الروايات العربية الأخرى لمختلف الروائيين. الدكتورة كوثر جبارة تحاول في كتابها المعنون " الرواية العربية بين النص المقروء والنص المرئي، ان تحدد العلاقة بين الاثنين، أي بين الفيلم والرواية أو السينما والرواية بشكل أدق. سبق جبارة الكثير من كتاب ومنظري السينما في البحث بهذا الموضوع، ما يميز كتب جبارة هو انه يأتي من كاتبة تخصصت في الأدب لكن شغفها بالسينما ومتابعتها لها جعلها تكتب في تلك العلاقة.
خصصت جبارة عشرة فصول للبحث عن العلاقة بين الفنين الرواية والسينما، بدءا من المفاهيم والمصطلحات مرورا بالمداخل النظرية التي تطرق لها الكثير من منظري السينما ونقادها كذلك الكثير من كتاب الرواية والباحثين فيها.
هناك العديد من العناصر المشتركة بين الرواية والفيلم، تطرقت جبارة لها بالتفصيل مستشهدة بنماذج فيلمية وروائية عديدة، خصوصا تلك الأفلام والروايات التي شكلت حضورا واسعا بين القراء والمشاهدين. السارد، المؤلف، الحوار، الزمن، الشخصية، البطل، كلها عناصر مشتركة بين الرواية والفيلم، ولكل منهما طريقته في تناولهم، فالزمن الروائي غير الزمن الفيلمي الذي يميل إلى الاختصار، والوصف وان كان مشتركا بين الاثنين إلا أنه يستغرق وقتا طويلا في الرواية بينما يختزله الفيلم بصورة، وهذا بسبب الوسيط التعبيري المختلف بين الاثنين. الحوار هو الاخر يختلف في تناوله بين الاثنين، ففي الرواية ربما يحتاج الحوار إلى صفحات كي يصل المعنى إلى القارئ، نجد الفيلم وبسبب الدعم الذي توفره صورة المكان وتعابير الشخصية واختزال الزمن مختلف إلى حد ما عن الرواية وان كان مأخوذا منها.
السارد في الرواية او الراوي تعددت اشكاله فهناك الراوي العليم الراوي العارف بكل شيء والراوي الثاني الخ، نجد الفيلم يمتلك ذات التنوع لكن وفي أحيان كثيرة تكون الكاميرا هي الراوي او السارد العارف. الميزة الأهم للسينما هي انها عند تناولها لرواية ما وتحويلها لفيلم سينمائي تغنيك عن تخيل المكان وشكل البطل وغيرها من الأمور التي تطرح، في حين تجعلك الرواية تسرح في خيالك لتصور كل ما تطرحه الرواية، ان ميزة التخيل مهمة جدا وتجعلنا بعيدين عن فرض المكان والأشخاص الذين تفرضهما السينما، فمتعة المشاهدة لها ميزاتها ومتعة القراءة لها ميزة مهمة وهي التخيل والذهاب بعيدا في جو الرواية. كتاب الدكتورة كوثرة جبارة يهمّ الباحثين والدارسين لفن السينما، فالمؤلفة استشهدت بأفلام مهمة جدا، واستندت إلى مصادر ومراجع لكبار أساتذة النقد الأدبي والسينمائي، لذلك يشكل مؤلفا يغني إلى حد ما المكتبة السينمائية ببحث رصين.