مسؤوليَّة المجتمع الدولي تجاه العراق

آراء 2023/09/14
...

 عباس الصباغ 



شاءت الأقدار والمواقع الطوبوغرافية والجغرافية الظالمة، أن يقع العراق في خانة دول المصب بالنسبة لحوضي دجلة والفرات (كان يسمى بأرض الرافدين أو أرض السواد لاخضرارها)، وبالرغم من عدم وجود اي قانون يلزم تلك الدول وخاصة تركيا بإطلاق حصص المياه المعتادة، والتي تكفي لحاجات العراق (وهو استحقاق تاريخي عراقي ) الا انها لم تراعِ ابسط حقوق حسن الجوار والمبادئ الانسانية، والعالم كله يرى ويسمع المناشدات، التي يطلقها العراق بسبب الجفاف والتصحر وتحول أغلب أراضيه إلى صحارى قاحلة مع تهديد مباشر، لأمنه المائي والغذائي والديموغرافي، ورغم أن جميع التقارير البيئية والمناخية، تؤكد ان العراق يعد الخامس عالميا جراء التعرض للتغييرات المناخية القاسية، كالجفاف والتصحر والملوحة القاتلة، وقلّة الأمطار وهجرة سكان المناطق المتضررة، بسبب ذلك إلا أن المجتمع الدولي بقيَّ متفرجا، ولم يحرك ساكنا ما يعيد إلى الأذهان تلك الايام السود، عندما احتل داعش ثلث مساحة العراق وعاث في أرض الرافدين فسادا وقتلا وتخريبا وسبيا، فلم يتحرك بجميع هيئاته ومؤسساته الاممية الفاعلة لوقف الاعتداء الداعشي، واليوم يُعاد السيناريو الغامض ذاته بإظماء الشعب العراقي وتعريض أمنه القومي مرة، أخرى للخطر بواسطة تهديد أمنه المائي والغذائي، فالتهديد والخطر هو ذاته سواء عن طريق الهجوم العسكري أو الاستخفاف بحاجات الشعب العراقي، وعدم النظر اليها بدواعٍ انسانية أو مصلحية (رغم وجود الروابط التجارية والاقتصادية الكثيرة التي تربط العراق بتلك الدول، لكنها لم تؤخذ بنظر الاعتبار).

70 % من الاراضي الصالحة للزراعة تحولت إلى صحارى جرداء مع خروج الكثير من محاصيل سلته الغذائية، خارج الخدمة كالرز والذرة الصفراء، وتحول أعمدة الأنهار إلى شوارع تصلح للمشي مع انحسار الأراضي الصالحة للزراعة من( 80) مليون دونم إلى (14) مليون دونم فقط، بحسب رئيس لجنة الموارد المائية النيابية، فضلا عن خروج أكثر محطات الإسالة عن الخدمة، لا سيما في الوسط والجنوب.

في ظل تلك المعطيات سادت الدعوات المتلاحقة من قبل الكثير من الناشطين والخبراء والكتاب، وطالبوا بتدويل الملف المائي العراقي، كونه ملفا سياديا وليس فنيا وشأنا دوليا، وليس محليا، وبعد أن تعرض الواقع الزراعي والثرواتي الى الانحسار او التلاشي، ولم يجنِ العراق سوى بعض الإطلاقات المائية الخجولة بعد زيارات مكوكية ولقاءات بروتوكولية «ودية» كأنها هبات وليست استحقاقات تاريخية للعراق وشعبه.

لم تقم تركيا بحل جذري لمعالجة هذه الأزمة بالاتفاق بين البلدين، بل كل ما فعلته هو اتفاق طارئ مؤقت سمح للعراق بالاستفادة من الإطلاقات المائية، والتي بلغت 1500 متر مكعب فقط لشهر واحد قابل للتمديد حسب الطوارئ، والذي يعد حلا ترقيعيا لن يستفيد منه العراق لعدم وجود سدود وخزانات كافية للاستفادة من هذه الإطلاقات، اما الاطلاقات المائية الاخيرة فلن تقوم بإنهاء الأزمة والمطلوب هو استمرارها بما يرفع الضرر عن العراق بشكل مستمر وهو كبير، لا سيما بعد زيارة وزير خارجية تركيا فيدان المهيأة لزيارة اردوغان المرتقبة.

فمتى يقوم المجتمع الدولي بواجبه الاخلاقي تجاه العراق ولو لمرة واحدة فقط تجاه دول المنبع جميعها وليس تركيا فقط؟.